الآية 11 وقوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } يخرّج على وجهين :
أحدهما{[18438]} : ثم استوى المنافع والأقوات التي قدّرها في الأرض ، وجعل معايش أهلها بالسماء ، لأنه جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء ، ما لولا السماء لم تستو منافع الأرض وما قدّر لهم فيها . فبالسماء استوى ذلك لهم ، أي ثم ذلك{[18439]} ، والله أعلم .
والثاني : قوله : { ثم استوى إلى السماء } أي ثم استوى الهواء والجو الذي بين الأرض والسماء إلى السماء ، ما لولا ذلك الهواء لم يستو [ ذلك ]{[18440]} لأنه السماء لو كانت مُلتزِقة بالأرض ، لا هواء بينهما لكانت لا تخرج ما جعل في الأرض من الأقوات والمعايش . فبالهواء استوى ذلك ، والله أعلم .
ومنهم من يصرف الاستواء إلى الله عز وجل ومعنى ذلك استوى أمره وملكه بخلق السماء ، واستوى المقصود بخلق الأرض وأهلها وما فيها بخلق السماء .
وأما التأويلان اللذان ذكرناهما فيتوجهان{[18441]} إلى غير ذلك [ وجهين ]{[18442]} :
أحدهما : يرجع{[18443]} إلى استواء الهواء . والثاني : [ يرجع ]{[18444]} إلى استواء في الأرض .
وعلى هذا يخرّج ما سئل ابن عباس رضي الله عنه{[18445]} : روي أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنه فقال : قرأت آيتين إحداهما تخالف الأخرى ، فقال له : من قبل رأيك أتيت ؟ ما هما ؟ فقال ذلك السائل : قوله تعالى : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } إلى قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } [ فصلت : 9 إلى 11 ] وقوله تعالى : { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } إلى قوله : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 27 إلى 30 ]
فمراد السائل أن ظاهر الآية الأولى أنه خلق الأرض قبل خلق السماء ، وفي ظاهر الآية الثانية أنه خلق السماء ، ثم خلق الأرض . فقال ابن عباس رضي الله عنه خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السماء ، فدحا الأرض بعد ما خلق السماء ، والله أعلم ؛ أراد به بسط الأرض بعد خلق السماء ، فأما خلق أصل الأرض [ فهو ]{[18446]} قبل خلق السماء .
وعندنا أن ليس [ في ]{[18447]} ظاهر هاتين الآيتين مخالفة ، ولا فيه بيان أنه خلق الأرض قبل السماء ، ولا هذا بعد هذا ، لأنه ذكر ههنا أنه { خلق الأرض في يومين } ثم قال : { ثم استوى إلى السماء } [ فصلت : 9 و11 ] ذكر الاستواء إلى السماء ليس فيه أنه خلقها بعد خلق الأرض ، بل فيه أنه{[18448]} استوى إليها بعد خلقها ، وليس فيه إثبات خلقها قبل ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وَهِيَ دُخَانٌ } قال بعضهم : قال بعضهم : دلّ قوله : { وهي دخان } أي شبه الدخان ، لا حقيقة الدخان ، ومنه خلق السماء والأرض .
وقوله تعالى : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين } قال بعضهم في قوله : { اِئْتِيَا } أعطيا ما جعلت{[18449]} فيكما من المنافع والأقوات { طوعا أو كرها } .
ثم اختُلف فيه أنه على التكوين والتسخير خلقة ، أي أنشأهما ، وخلقهما على إخراج ما فيهما من المنافع والأقوات والأرزاق التي جعل فيهما ، وكذلك ما ذكر من الطوع والكره لا قول منه لهما وأمرا ، لكنه طبعهما ، وأنشأهما كذلك على حقيقة القول والأمر منه لهما نحو ما ذكر لكل شيء من الجبال وغيرها أنه يسبّح لله تعالى على الوجهين .
لكن شرط خلق الحياة التي لا بد منها للنطق والسماع{[18450]} . فعلى ذلك ههنا .
وقال بعضهم في قوله : { اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } أي ائتيا عبادتي ومعرفتي ؛ وذلك أن الله تعالى حين خلقهما عرض عليهما الطاعة والشهوة واللّذات على الثواب والعقاب { فأبين أن يحملنها } الآية [ الأحزاب : 72 ] فهذا الإباء ، [ والطاعة هي طاعة ]{[18451]} الخلقة والتكوين على ما ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.