بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

{ ثُمَّ استوى إِلَى السماء } أي : صعد أمره إلى السماء ، وهو قوله : { كُنَّ } ويقال : عمد إلى خلق السماء { وَهِي دُخَانٌ } يعني : بخار الماء كهيئة الدخان . وذلك أنه لما خلق العرش ، لم يكن تحت العرش شيء سوى الماء كما قال . { وكان عرشه على الماء } ، ثم ألقى الحرارة على الماء حتى ظهر منه البخار ، فارتفع بخاره كهيئة الدخان ، فارتفع البخار ، وألقى الريح الزبد على الماء ، فزيد الماء ، فخلق الأرض من الزبد ، وخلق السماء من الدخان وهو البخار .

ثم قال تعالى : { فَقَالَ لَهَا وللأرض } يعني : للسماء ، والأرض ، { ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } يعني : اعطيا الطاعة ، طوعاً أو كرهاً . يعني : ائتيا بالمعرفة لربكما ، والذكر له طوعاً ، أو كرهاً ، { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فأعطيا الطاعة بالطوع . ويقال : كانت السماء رتقاً عن المطر ، والأرض عن النبات ، فقال لهما { ائتيا } يعني : أعطيا ، وأخرجا ما فيكما من المطر ، والنبات منفعة للخلق إن شئتما طائعين ، وإن شئتما كارهين . { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } يعني : أخرجنا ما فينا طائعين غير كارهين . وروي عن مجاهد أنه قال : معناه يا سماء أبرزي شمسك ، وقمرك ، ونجومك ، ويا أرض أخرجي نباتك طوعاً ، أو كرهاً . ويقال : هذا على وجه المثل ، يعني : أمرهما بإخراج ما فيهما ، فأخرجتا طائعتين .