قوله تعالى :{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } أي : عن النظر إلى مالا يحل النظر إليه . وقيل : من صلة يعني : يغضوا أبصارهم . وقيل : هو ثابت لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلاً ، لأنه لا يجب الغض عما يحل النظر إليه ، وإنما أمروا بأن يغضوا عما لا يحل النظر إليه ، { ويحفظوا فروجهم } عما لا يحل ، قال أبو العالية : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام ، إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه ، { ذلك } يعني : غض البصر وحفظ الفرج ، { أزكى لهم } أي : خير لهم وأطهر ، { إن الله خبير بما يصنعون } يعني : عليم بما يفعلون ، روي عن بريدة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يا علي : لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " . وروي " عن جرير بن عبد الله قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال : اصرف بصرك " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا زيد بن الحباب ، عن الضحاك بن عثمان قال : أخبرني زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد " .
قوله { قل للمؤمنين } بمنزلة قوله إنهم ، فقوله { يغضوا } جواب الأمر ، وقال المازني المعنى قل لهم غضوا { يغضوا } . ويلحق هذين من الاعتراض أن الجواب خبر من الله وقد يوجد من لا يغض وينفصل بأن المراد يكونون في حكم من يغض ، وقوله { من أبصارهم } أظهر ما في { من } أن تكون للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض ، ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب «لا تتبع النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية » الحديث{[8673]} . وقال جرير بن عبد الله سألت النبي عليه السلام عن نظرة الفجأة فقال «اصرف بصرك »{[8674]} ويصح أن تكون { من } لبيان الجنس{[8675]} ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية ، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه ، و «حفظ الفروج » يحتمل أن يريد في الزنى ويحتمل أن يريد في ستر العورة والأظهر أن الجميع مراد واللفظ عام ، وبهذه الآية حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر وقال أبو العالية كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنا إلا هذه الآيتين فإنه يعني التستر .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا وجه لهذا التخصيص عندي وباقي الآية بين وظاهره والتوعد .
أعقب حكم الاستئذان ببيان آداب ما تقتضيه المجالسة بعد الدخول وهو أن لا يكون الداخل إلى البيت محدقاً بصره إلى امرأة فيه بل إذا جالسته المرأة غض بصره واقتصر على الكلام ولا ينظر إليها إلا النظر الذي يعسر صرفه .
ولما كان الغض التام لا يمكن جيء في الآية بحرف { من } الذي هو للتبعيض إيماء إلى ذلك إذ من المفهوم أن المأمور بالغض فيه هو ما لا يليق تحديق النظر إليه وذلك يتذكره المسلم من استحضاره أحكام الحلال والحرام في هذا الشأن فيعلم أن غض البصر مراتب : منه واجب ومنه دون ذلك ، فيشمل غض البصر عما اعتاد الناس كراهية التحقق فيه كالنظر إلى خبايا المنازل ، بخلاف ما ليس كذلك فقد جاء في حديث عمر بن الخطاب حين دخل مشربة النبي صلى الله عليه وسلم « فرفعت بصري إلى السقف فرأيت أهَبَةً معلقة » .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : « لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية » .
وفي هذا الأمر بالغض أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن التطلع إلى ما عسى أن يوقعها في الحرام أو ما عسى أن يكلفها صبراً شديداً عليها .
والغض : صرف المرء بصره عن التحديق وتثبيت النظر . ويكون من الحياء كما قال عنترة :
وأغض طرفي حين تبدو جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
ومادة الغض تفيد معنى الخفض والنقص .
والأمر بحفظ الفروج عقب الأمر بالغض من الأبصار لأن النظر رائد الزنى . فلما كان ذريعة له قصد المتذرع إليه بالحفظ تنبيهاً على المبالغة في غض الأبصار في محاسن النساء . فالمراد بحفظ الفروج حفظها من أن تباشر غير ما أباحه الدين .
واسم الإشارة إلى المذكور ، أي ذلك المذكور من غض الأبصار وحفظ الفروج .
واسم التفضيل بقوله : { أزكى } مسلوب المفاضلة . والمراد تقوية تلك التزكية لأن ذلك جنة من ارتكاب ذنوب عظيمة .
وذيل بجملة : { إن الله خبير بما يصنعون } لأنه كناية عن جزاء ما يتضمنه الأمر من الغض والحفظ لأن المقصد من الأمر الامتثال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.