التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا1 مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( 30 ) } .

( 1 ) يغضوا : يخفضوا أو يصرفوا أبصارهم أو لا يطيلوا النظر .

في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالإيعاز للمؤمنين من الرجال بغض أبصارهم وحفظ فروجهم ؛ لأن ذلك أدعى إلى الطهارة والصيانة ، وتنبيه إلى أن الله خبير بما يفعلونه وهو مراقبهم ، وذلك بسبيل توطيد الأمر وتنفيذه .

تعليق على الآية

{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم }

ولم نطلع على مناسبة خاصة لهذه الآية . ومع أنها فصل جديد أو بداية فصل جديد فإن الصلة الموضوعية ملموحة بينها وبين الفصل السابق . فإذا لم تكن نزلت بعده فيكون ترتيبها في مكانها بسبب هذه الصلة كما هو المتبادر .

ومما قاله المفسرون في صدد ما احتوته الآية من الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج : إنه عدم التعمد في النظر إلى النساء وصرف البصر عنهن إذا وقع عليهن بدون عمد ، والتعفف عن الزنا وعدم التبذل في الثياب بحيث تظهر من ذلك العورات ، وعدم النظر إلى العورات في الوقت نفسه . وقد أوردوا أحاديث عديدة في ذلك . منها حديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رواه الترمذي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة ) {[1503]} . ومنها حديث رواه البغوي عن جرير ابن عبد الله قال ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظرة الفجأة فقال : اصرف بعدها بصرك ) ، ومنها حديث عن أبي سعيد الخدري قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد ) {[1504]} . والذي يتبادر لنا أن جمع الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج في جملة واحدة قرينة قرآنية على أن القصد من الأمر بالغض هو عدم النظر إلى المرأة الأجنبية نظرة جنسية شهوانية . وأن الأحاديث هي في صدد ذلك من حيث الجوهر . ويلفت النظر إلى الحديث الذي ينهي عن اتباع النظرة بالنظرة فالنظرة الأولى تكون صدفة ومعفوا عنها ، فإذا أتبعت بأخرى صارت نظرة مريبة آثمة . وفي الآية التالية التي تأتي بعد هذه الآية تسويغ لإسفار المرأة عن وجهها أمام الأجانب . هذا سواغ تبادل الكلام والنظر ، وهذا ما كان جاريا من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن . وورد ذلك في أحاديث وروايات كثيرة وهو المعقول التعامل بدون انقطاع ، وهو سائغ ما دام ليس شهوانيا آثما والله تعالى أعلم . وعلى كل حال فالآية هي بسبيل حث المؤمنين على التمسك بأهداب العفة وتوقي أسباب الفتنة والفاحشة وعلى عدم التبذل في كشف ما لا يأتلف مع الحياء من أجسادهم وعوراتهم . وكل هذا أدب رفيع متسق مع الذوق السليم والخلق الكريم في كل ظرف ومكان .


[1503]:ابن كثير.
[1504]:البغوي. وبديهي أن النهي يكون أولى وأشد عن نظرة الرجل إلى عورة المرأة وعن نظر المرأة إلى عورة الرجل وعن إفضاء الرجل بثوب إلى المرأة وإفضاء المرأة بثوب إلى الرجل وعورة الرجل هي ما دون السرة وفوق الركبة كما جاء في حديث نبوي رواه أبو داود والبيهقي وعورة المرأة جميعا جسدها عدا وجهها ويديها انظر تفسير الآية و الآيات التالية في ابن كثير والخازن وانظر التاج ج 1 ص 139