فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { 30 ) }

{ يغضوا }{[2495]} يطبقوا أجفان أعينهم على بعض ، ويغمضوها .

{ ويحفظوا فروجهم } ويصونوها عما حرم الله .

بعد أن زجرت الآيات المباركات السابقات عن الزنى ، وفرض الله تعالى الحد على من ارتكب تلك الفاحشة ، أو اتهم غيره بهتانا بها ، وشرع الاستئذان حتى لا يطلع أحد على عورة أحد ، ولا تسبق عينه أو أذنه إلى ما لا يحل ، قطعا لدابر الفتنة وسدا لأسباب المفسدة جاءت هذه الآية الكريمة لتؤدب المؤمنين عامة بأحكام شاملة يدخل فيها حكم المستأذنين دخولا أوليا ، ووصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر ؛ وفي البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك ، يقول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم . . } ، روي في الصحيحين صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " فقالوا : يا رسول الله : ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال " فإذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " .

{ يحفظوا فروجهم } ويصونوا فروجهم عما حرم الله تعالى ، فلا تنكشف السوءات ، ولا يتمتع بالفرج إلا فيما أحل ربنا سبحانه ، و{ يغضوا } ، { ويحفظوا } مجزومان إما بلام أمر مقدرة ، أي قل لهم ليغضوا . . وليحفظوا ، والجملة نصب على المفعولية للقول ، و{ من } للتبعيض ، وكأن المراد : غضوا البصر عما يحرم واقتصروا به على ما يحل{[2496]} ، { ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ذلك الذي شرعته لكم من غض البصر وحفظ الفرج أطهر لكم وأبعد عن الفتن ، وأنفع من الزنى والنظرة الحرام ، فإني خبير بعمل كل عامل ، وما تصنع كل جارحة من جوارحه ، بل وبما توسوس به نفسه ، فليحذر العاقل أن يرى الله تعالى منه ما يغضبه ، فإنه سبحانه على كل شيء رقيب : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك إلا في كتاب مبين ){[2497]} .


[2495]:وجائز أن تكون {يغضوا} مجزومة لوقوعها في جواب {قل} لتضمنه حرف الشرط، كأنه قيل: إن تقل لهم غضوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام، وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور ـ أورد هذا روح المعاني ـ.
[2496]:ومما قال الألوسي: النظر باب إلى كثير من الشرور، وهو بريد الزنى ورائد الفجور، وقال بعضهم: كـل الحوادث مبداها من النظـر *** ومعظم النار من مستصغر الشــرر والمرء ما دام ذا عين يقلبــها *** في أعين الغير موقوف على الخطر كم نظرة فعلت في قلب فاعلها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتــر يسر ناظره ما ضر خاطــره *** لا مرحبا بسرور عاد بالضــرر
[2497]:سورة يونس. الآية 61.