لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان ، أتبعه بذكر حكم النظر على العموم ، فيندرج تحته غضّ البصر من المستأذن ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «إنما جعل الإذن من أجل البصر » وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم ، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها ، وأولى بذلك ممن سواهم . وقيل : إن في الآية دليلاً على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم ، وفي الكلام حذف ، والتقدير { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ } غضوا { يَغُضُّواْ } ، ومعنى غضّ البصر : إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية ، ومنه قول جرير :
فغضّ الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يوارى جارتي مأواها
و«من » في قوله { مِنْ أبصارهم } هي : التبعيضية ، وإليه ذهب الأكثرون ، وبينوه بأن المعنى : غضّ البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل . وقيل : وجه التبعيض : أنه يعفى للناظر أوّل نظرة تقع من غير قصد . وقال الأخفش : إنها زائدة ، وأنكر ذلك سيبويه . وقيل : إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء . واعترض عليه : بأنه لم يتقدّم مبهم يكون مفسراً بمن ، وقيل : إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية ، وقيل : الغضّ النقصان ، يقال : غضّ فلان من فلان أي : وضع منه ، فالبصر إذا لم يمكن من عمله ، فهو : مغضوض منه ومنقوص ، فتكون " مِنْ " صلة للغضّ ، وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة . وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحلّ النظر إليه ، ومعنى { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } : أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم . وقيل : المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا تحلّ له رؤيتها ، ولا مانع من إرادة المعنيين ، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج . قيل : ووجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلاّ ما استثنى ، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه ، فإنه لا يحلّ منه إلاّ ما استثنى . وقيل : الوجه أن غضّ البصر كله كالمتعذر ، بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى ما ذكر من الغضّ ، والحفظ ، وهو مبتدأ ، وخبره : { أزكى لَهُمْ } أي أظهر لهم من دنس الريبة ، وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا يخفى عليه شيء من صنعهم ، وفي ذلك وعيد لمن لم يغضّ بصره ، ويحفظ فرجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.