ولما ذكر سبحانه حكم الاستئذان أتبعه بذكر حكم النظر على العموم فقال :
{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } فيندرج تحته غض البصر من المستأذن كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما جعل الإذن من أجل البصر ) {[1286]} ، وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق بها من غيرهم ، وأولى بذلك ممن سواهم ، وقيل : إن في الآية دليلا على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : قل للمؤمنين غضوا يغضوا ، ومعنى غض البصر إطباق الجفن على العين بحيث يمنع الرؤية ، و { من } هي التبعيضية ، وإليه ذهب الأكثرون وعليه اقتصر القاضي كالكشاف ، وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم ، والاقتصار به على ما يحل .
وقيل وجه التبعيض أنه يعفى للناظر ، أول نظرة تقع من غير قصد ، وقال الأخفش : إنها زائدة ، وأنكر ذلك سيبويه . وقيل : إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء ، واعتراض عليه بأنه لم يتقدم مبهم حتى يكون مفسرا ب { من } وقيل إنها لابتداء الغاية ، قاله ابن عطية ، وعليه اقتصر أبو حيان في النهر ، وقيل : الغض : النقصان ، يقال . غض فلان من فلان ، أي : وضع منه . فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ، ومنقوص ، فتكون { من } صلة للغض ، وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة ، وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه .
قال ابن عباس : يغضوا أبصارهم يعني . من شهواتهم ، مما يكره الله . وأخرج أبو داود ، والترمذي ، والبيهقي في سننه ، عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك وليست لك الأخرى " {[1287]} .
وفي مسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، عن جرير البجلي قال . سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف{[1288]} . وفي الصحيحين ؛ وغيرهما ؛ من حديث أبي سعيد قال . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " !قالوا :يارسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ؛فقال : " إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه " . قالوا : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : " غض البصر ؛ وكف الأذى ؛ ورد السلام ؛ والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " {[1289]} .
{ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } أي يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم ولا يحل لهم . وقيل المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا تحل له رؤيتها ، ولا مانع من إرادة المعنيين ، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج ، وقيل وجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلا ما استثنى ، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن ؟ وكذا الإماء المستعرضات للبيع بخلاف حفظ الفرج ، فإنه مضيق فيه . فإنه لا يحل منه إلا ما استثنى .
وقيل الوجه أن غض البصر كلّه كالمعتذر ، بخلاف حفظ الفرج ، فإنه ممكن على الإطلاق قال أبو العالية : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلا ما في هذا الموضع فإنه أراد به الإستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه .
{ ذَلِكَ } أي ما ذكر من الغض والحفظ { أَزْكَى } أي أطهر { لَهُمْ } من دنس الريبة ، وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا يخفى عليه شيء من صنعهم ، فيجازيهم عليه ، وفي ذلك وعيد لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.