قوله تعالى : { قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها } ، بعد إذ أنقذنا الله منها .
قوله تعالى : { إلا أن يشاء الله ربنا } يقول إلا أن يكون قد سبق لنا في علم الله ومشيئته أنا نعود فيها ، فحينئذ يمضي قضاء الله فينا ، وينفذ حكمه علينا ، فإن قيل : ما معنى قوله : { أو لتعودن في ملتنا } ، { وما يكون لنا أن نعود فيها } ، ولم يكن شعيب قط على ملتهم حتى يصح قولهم ترجع إلى ملتنا ؟ قيل : معناه : أو لتدخلن في ملتنا ، فقال : وما كان لنا أن ندخل فيها ، وقيل : معناه إن صرنا في ملتكم ، ومعنى عاد صار . وقيل : أراد به قوم شعيب لأنهم كانوا كفاراً فآمنوا ، فأجاب شعيب عنهم .
قوله تعالى : { وسع ربنا كل شيء علما } ، أحاط علمه بكل شيء .
قوله تعالى : { على الله توكلنا } ، فيما توعدوننا فيه ، ثم عاد شعيب بعدما أيس من فلاحهم .
قوله تعالى : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا } ، أي : اقض بيننا .
والظاهر في قوله : { قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم } أنه خبر منه أي لقد كنا نواقع عظيماً ونفتري على الله الكذب في الرجوع إلى الكفر ، ويحتمل أن يكون على جهة القسم الذي هو في صيغة الدعاء ، مثل قول الشاعر : بقيت وفري .
وكما تقول «افتريت على الله » إن كلمت فلاناً ، و { افترينا } معناه شققنا بالقول واختلفنا . ومنه قول عائشة : من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى به فقد أعظم على الله الفرية ، ونجاة «شعيب » من ملتهم كانت منذ أول أمره ، ونجاه من آمن معه كانت بعد مواقعة الكفر ، وقوله : { إلا أن يشاء الله } يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا من الله في ذلك سابق وسوء وينفذ منه قضاء لا يرد .
قال القاضي أبو محمد : والمؤمنون هم المجوزون لذلك وشعيب قد عصمته النبوة ، وهذا أظهر ما يحتمل القول ، ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات ، فلما قال لهم : إنا لا نعود في ملتكم ثم خشي أن يتعبد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول : هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله تعالى فيما يمكن أن يتعبد به ، ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط ، وقد علم امتناع ذلك فهو إحالة على مستحيل .
قال القاضي أبو محمد : وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة الذين من مذهبهم أن الكفر والإيمان ليسا بمشيئة من الله تعالى فلا يترتب هذا التأويل إلا عندهم ، وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه ، وقيل : إن هذا الاستثناء إنما هو تستر وتأدُّب .
قال القاضي أبو محمد : ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاسثناء ولو كان في الكلام إن شاء الله قوى هذا التأويل ، وقوله : { وسع ربنا كل شيء علماً } معناه : وسع علم ربنا كل شيء كما تقول : تصبب زيد عرقاً أي تصبب عرق زيد ، و { وسع } بمعنى أحاط ، وقوله { افتح } معناه أحكم والفاتح الفتاح القاضي بلغة حمير ، وقيل بلغة مراد ، وقال بعضهم : [ الوافر ]
ألا أبلغْ بني عصم رسولاً*** فإني عن فتاحتكم غنيُّ
وقال الحسن بن أبي الحسن : إن كل نبي أراد الله هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم ، وقال ابن عباس ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك أي أحاكمك ، وقوله { على الله توكلنا } استسلام لله وتمسك بلفظه وذلك يؤيد التأويل الأول في قوله : { إلا أن يشاء الله } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.