مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ} (89)

ثم قال شعيب { قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ } وهو قسم على تقدير حذف اللام أي والله لقد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا } خلصنا الله . فإن قلت : كيف قال شعيب { إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ } والكفر على الأنبياء عليهم السلام محال ؟ قلت : أراد عود قومه إلا أنه يضم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب { وَمَا يَكُونُ لَنَا } وما ينبغي لنا وما يصح { أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله رَبُّنَا } إلا أن يكون سبق في مشيئته أن نعود فيها إذ الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى خيرها وشرها { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا } تمييز أي هو عالم بكل شيء فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتقلب { عَلَى الله تَوَكَّلْنَا } في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق } أي الحكم والفتاحة الحكومة والقضاء بالحق بفتح الأمر المغلق فلذا سمي فتحاً ، ويسمي أهل عمان القاضي فتاحاً { وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } كقوله { وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين }