الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ} (89)

وقوله : { قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم }[ 89 ] .

أي : قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى ملتهم ، وتوعدوه{[24400]} بالطرد : { قد افترينا على الله كذبا } أي : اختلقنا على الله كذبا ، وتخرصنا ذلك{[24401]} عليه ، إن نحن { عدنا في ملتكم } ، أي : دينكم ، بعد أن{[24402]} أنقذنا الله منها{[24403]} . وهذا من قول من آمن به وقد كان كافرا . فأما شعيب{[24404]} فلم يكن على ملتهم قط{[24405]} .

ثم قال : { وما يكون لنا أن نعود فيها }[ 89 ] ، : في ملتكم فندين{[24406]} الله بها { إلا أن يشاء الله ربنا }[ 89 ] ، أي : إلا بمشيئة الله ( سبحانه{[24407]} ) ، أي إلا أن يشاء{[24408]} ربنا أن يتعبدنا بشيء مما أنتم عليه{[24409]} .

وقيل المعنى : إلا أن يشاء الله أن نعود ، وهو لا يشاء ذلك أبدا بمنزلة قوله : { حتى يلج الجمل في سم الخياط }{[24410]}[ 39 ] . وقيل : هو استثناء ليس من الأول{[24411]} .

{ وسع ربنا كل شيء علما }[ 89 ] . أي : أحاط به ، فلا{[24412]} يخفى عليه شيء [ كان ، ولا شيء هو كائن{[24413]} ] ، فإن سبق في علمه أنا نعود في شيء منها ؛ فلا بد أن يكون{[24414]} .

والله لا يشاء الكفر ، أي : لا يحبه ولا يرضاه ، وهو يشاؤه بمعنى : يقدره ويقضيه على من علمه منه{[24415]} . وقيل المعنى : ملأ ربنا كل شيء علما{[24416]} .

ثم قال : { على الله توكلنا }[ 89 ] . أي : عليه نعتمد في أمورنا{[24417]} .

{ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق }[ 89 ] . أي : احكم بيننا وبينهم{[24418]} .

{ وأنت خير الفاتحين }[ 89 ] . أي : الحاكمين{[24419]} .


[24400]:في الأصل: و"ر": وتواعدوه، وأثبت ما في ج، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي. وتواعد القوم: وعد بعضهم بعضا، هذا في الخير....والتوعد: التهدد. المختار/وعد.
[24401]:ذلك، لحق في ج.
[24402]:في ج، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي،: بعد إذ أنقذنا الله منها. وفي "ر" تحرفت: "أنقذنا" إلى: "أن لققدنا".
[24403]:انظر: جامع البيان 12/562، بتصرف.
[24404]:في "ر": شعيب صلى الله عليه وسلم.
[24405]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/355-357، وتفسير الماوردي 2/239، والمحرر الوجيز 2/427، 429، وتفسير القرطبي 7/159، 160، والبحر المحيط 4/344-346.
[24406]:فندين، تحرفت في الأصل إلى: فندير وتحرفت في "ر" إلى: فندير. وأثبت ما في ج، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي. قال الماوردي في تفسيره 2/239: "والفرق بين الملة والدين، أن الملة: ما شرعه الله، والدين: ما اعتقده الناس تقربا إلى الله، فصار كل دين ملة وليس كل ملة دينا".
[24407]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[24408]:في الأصل: إلا أن يشاءه، وفي ر: إلا أن يشاه. وأثبت ما في ج.
[24409]:انظر: جامع البيان 12/562، وإعراب القرآن للنحاس 2/139، والعبارة له، وتفسير الماوردي 2/239، والمحرر الوجيز 2/427، وما بعدها، وتفسير القرطبي 7/159، 160 والبحر المحيط 4/334، وما بعدها.
[24410]:انظر: المصادر نفسها فوقه.
[24411]:إعراب القرآن للنحاس 2/139، وتمام نصه: "وفي معناه قولان: أحدهما: إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بشيء مما أنتم عليه، والقول الآخر: أن يكون مثل {حتى يلج الجمل في سم الخياط}". ويلاحظ أن مكيا هنا أخر ما حقه التقديم، وقدم ما حقه التأخير، فاضطرب كلامه. انظر: الدر المصون 3/303.
[24412]:في ج: ولا يخفى.
[24413]:زيادة يقتضيها السياق من جامع البيان، الذي نقل منه مكي.
[24414]:انظر: جامع البيان 12/562، بتصرف يسير.
[24415]:وهذا مذهب أهل السنة والجماعة. انظر معاني الزجاج 2/355، وما بعدها، والإبانة عن أصول الديانة للأشعري 15، والقضاء والقدر للبيهقي 63، وما بعدها، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 1/133. قال ابن القيم في شفاء العليل: "....، وما وجد من الكفر والفسوق والمعاصي تعلقت به مشيئته، ولم تتعلق به محبته ولا رضاه، ولا أمره الديني، وما لم يوجد منها، لم تتعلق به مشيئته ولا محبته. فلفظ المشيئة كوني، ولفظ المحبة ديني شرعي. ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية، فتكون هي المشيئة. وإرادة دينية، فتكون هي المحبة". وهذا كلام نفيس. فانظر ما قبله وما بعده، فإنه ترياق مداو لعلل عقدية كثيرة!!
[24416]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/31، بلفظ: قال بعضهم. ثم ساقه بنصه. انظر تفسير الرازي 7/187.
[24417]:انظر: جامع البيان 12/563، باختصار.
[24418]:انظر: جامع البيان 12/563، 565 والدر المنثور 3/503. وقال المؤلف في تفسير المشكل من غريب القرآن 173: "{افتح بيننا}، أي: احكم. ويقال للحاكم: الفتاح". وأهل عمان يسمون القاضي: الفاتح والفتاح، كما في معاني القرآن للفراء 1/385.
[24419]:جامع البيان 12/563.