تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ} (89)

الآية 89 [ وقوله تعالى ]{[8665]} : { قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملّتكم } [ يحتمل ]{[8666]} وجوها ثلاثة :

أحدها : أن ذلك منه إخبار عن قومه لا عن نفسه ؛ أي افتروا على الله كذبا إن عادوا في ملّتكم بعد إذ أنجاهم الله منها ، وما يجوز أن يعودوا فيها . وأما هو فإنما أجابهم عن نفسه ما ذكر في سورة هود : { ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل } [ الآية : 93 ] أجاب هو قومه كما أجاب غيره من الرسل قومهم حين أوعدوهم{[8667]} بالقتل والعقوبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثم كيدون فلا تنظرون } [ الأعراف : 195 ] وكما قال هود : { واشهدوا أني بريء مما تشركون } { من دونه فكيدون جميعا ثم لا تنظرون } [ هود : 54و55 ] ونحو ذلك من الجوابات التي كانت من الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، لأقوامهم .

والثاني{[8668]} : يحتمل أن يكون على الابتداء من غير أن كان فيها كقوله تعالى : { رفع السماوات } [ الرعد : 2 ] رفعها ابتداء من غير أن كانت موضوعة وكقوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة : 257 ] إخراج ابتداء ، لا أن كانوا فيها ، ثم أخرجهم .

والثالث{[8669]} : يحتمل ما ذكرنا أنه أجابهم على ما عندهم أنه كان على دينهم ، فأجاب لهم على ما عنده{[8670]} أنه على ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما يكون لنا أن نعود فيها } أي ما يجوز لنا أن نعود فيها .

وقول شعيب : { قد افترينا على الله كذبا } /180-ب/ [ تعريض بتسفيه منه إياهم أنكم{[8671]} قد افتريتم على الله كذبا ]{[8672]}

لا تصريح حين{[8673]} لم يقل : قد افتريتم أنتم على الله كذبا . ولكن{[8674]} قال : { قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملّتكم } وذلك منه تلطّف بهم وترفّق .

وقوله تعالى : { إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما } اختلف في تأويله : قال الحسن : من حكم الله عز وجل أن من قبل دينه ، وأطاع رسوله كان{[8675]} وليّا له ، وسمّاه{[8676]} مؤمنا ، ومن ردّ دينه ، وعصى رسوله ، يتخذه عدوّا له ، ويكن كافرا .

وقال أبو بكر الكيسانيّ : قوله تعالى : { إلا أن يشاء الله } أن يتعبّدنا ، ويمتحننا ببعض ما كانوا يتقرّبون به ، ويشرّع لهم مما يحل ، ويسع ، لم يرد به الدين الذي هم عليه . لكن هذا لا يحتمل لأن سؤالهم كان العود إلى ملّتهم ، فعلى ذلك خرّج الثّنيا .

وقال جعفر{[8677]} بن حرب : قوله تعالى : { إلا أن يشاء الله } إلا أن يأمرنا الله بما يؤيسهم على ذلك على الإياس وقطع الرجاء ، أي لا يشاء الله البتة ذلك كما يقال : كان كذا أن صعدت السماء وكقوله تعالى : { حتى يلج الجمل في سمّ الخياط } [ الأعراف : 40 ] وفعلت كذا مما يعلم أنه لا يكون . فعلى ذلك هذا .

لكن هذا كله بعيد محال .

أما قول الحسن : إن من حكم الله أنه رد دينه ، وعصى رسوله ، فإنه{[8678]} يكون من الكافرين ، ومن قبل دينه ، وأطاع رسوله ، فيكون{[8679]} من المؤمنين ، فليس فيه سوى أنه يقول : إنه يعلم من كفر به ، فلا معنى للاستثناء لو كان التأويل ما ذكر .

وأما قول أبي بكر : إنه يتعبّدهم ، ويمتحنهم بما يتقرّبون به في دينهم وملّتهم [ مما ]{[8680]} يجوز أن يأذن في ذلك ، فذلك لا يحتمل لأنه ذكر الملّة التي كانوا هم عليها ، فإليه ترجع الثّنيا ، لا تجوز إلى غيره .

وأما قول من يقول بالإياس{[8681]} وقطع الطمع عن ذلك ، فذلك أيضا بعيد ؛ لأن الإياس إنما يكون البتة من نحو ما ذكر من قوله تعالى : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط } [ الأعراف : 50 ] ونحوه .

وأما مثل هذا فإنهم لا يفهمون منه الإياس وقطع الرجاء ، بل كانوا يأتون بالفواحش ، ويقولون : الله أمرهم بذلك .

وأما عندنا فإنه على حقيقة المشيئة ؛ وذلك أن من علم منه أنه يكفر{[8682]} ، ويؤثر ذلك على فعل الإيمان والطاعة يشاء ذلك له على ما علم أنه يختار ، ومن علم منه أنه لا يختار ذلك لا يشاء ؛ إذ لا يجوز أن يعلم منه غير الذي يكون ، أو أن يشاء غير الذي يكون ، أو أن يشاء غير الذي علم أنه منه لأنه جهل ، وعجز .

وأصله أن شعيبا خاف ، إن سبق منه زلّة أو تقصير منه ، الاختيار لذلك ، فيشاء الله بذلك الزّيغ والضلال . وكذلك جميع الأنبياء خافوا ذلك كقول إبراهيم عليه السلام حين{[8683]} قال : { ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا } [ الأنعام : 80 ] وقول يوسف حين{[8684]} قال : { إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء } [ يوسف : 76 ] كان خوف الأنبياء عليهم السلام أكثر{[8685]} من خوف غيرهم .

وقوله تعالى : { وسع ربنا كل شيء علما } معناه ، والله أعلم : أنه لا نعلم إلى ماذا تصير عاقبة أمرنا ؟ علم الله .

وقوله تعالى : { على الله توكلنا } قيل { على الله توكلنا } اعتمدنا في ما يخوّفوننا من الإخراج ، وإليه نلجأ في سلطانه وملكه ، وبه نثق في وعده بما يعدنا من النصر والظفر على الأعداء .

وقوله تعالى : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } قيل : قوله : { افتح } أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق .

روي عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[8686]} قال : ما كنت أعلم ما معنى الفتح في الآية حتى تزوجت امرأة من بني كذا ، فوقعت بيننا مخاصمة ، فقالت لي : تعال حتى أفاتحك إلى فلان ؟ فعند ذلك عرفت أن المفاتحة هي المحاكمة .

وقوله تعالى : { بالحق } قيل : هو العذاب الذي كان وعد لهم أن ينزّل عليهم بتكذيبهم شعيبا وبأذاهم إياه .

ثم للمعتزلة أدنى تعلّق [ بقوله تعالى ]{[8687]} : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } يقولون : هو الدعاء والسؤال ، وإن كان لا يحكم إلا بالحق . فعلى ذلك يقولون في قوله تعالى : { رب احكم بالحق } [ الأنبياء : 112 ] نحوه{[8688]} .

فكذلك يقولون في قوله : { إلا أن يشاء الله } .

لكن عندنا يخرج قوله : { رب احكم بالحق } [ الأنبياء : 112 ] [ وقوله تعالى ]{[8689]} : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } على وجوه :

أحدها : يقول : { ربنا افتح بيننا } بحكمك ، وهو الحق .

والثاني : يقول : { رب احكم بالحق } [ الأنبياء : 112 ] في حادث الوقت كما حكمت في الوقت الماضي ، وهو كقوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] وهو النبوّة والهداية .

والثالث : على استعمال العذاب .


[8665]:ساقطة من الأصل وم.
[8666]:ساقطة من الأصل وم.
[8667]:في الأصل وم: أوعدهم.
[8668]:في الأصل وم: و.
[8669]:في الأصل وم: و.
[8670]:في الأصل وم: عندهم.
[8671]:في م: أنهم.
[8672]:من م، ساقطة من الأصل.
[8673]:في الأصل وم: حيث.
[8674]:ساقطة من م.
[8675]:في الأصل وم: أن يكون.
[8676]:في الأصل وم: وسمى.
[8677]:في الأصل وم: أبو جعفر.
[8678]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[8679]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[8680]:من م، ساقطة من الأصل.
[8681]:من م، في الأصل: لا ياس.
[8682]:في الأصل وم: الكفر.
[8683]:في الأصل وم: حيث.
[8684]:في الأصل وم: حيث.
[8685]:أدرج قبلها في الأصل وم: كان.
[8686]:ساقطة من الأصل وم.
[8687]:ساقطة من الأصل وم.
[8688]:في الأصل وم: ونحوه.
[8689]:ساقطة من الأصل وم.