قوله عز وجل : { قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إنْ عُدنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذْ نَجّانَا اللَّهُ مِنْهَا } والفرق بين الملة والدين أن الملة ما شرعه الله ، والدين ما اعتقده الناس تقرباً إلى الله ، فصار كل دين ملة وليس كل ملة ديناً{[1106]} .
فإن قيل : فالعود إلى الشيء الرجوع إليه بعد الخروج منه فهل كان شعيب على ملة قومه من الكفر حتى يقول : { إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم } .
أحدها : أن هذه حكاية عمن اتبع شعيباً من قومه الذين كانوا قبل اتباعه على ملة الكفر .
الثاني : أنه قال ذلك على التوهم أنه لو كان عليها لم يعد إليها .
والثالث : أنه يطلق ذكر العَود على المبتدئ بالفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله سن قولهم : قد عاد عليّ من فلان مكروه وإن لم يسبقه بمثله كقول الشاعر :
لَئِن كَانَت الأَيَّامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً *** إِلَيَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ
أَتَى دَونَ حُلْوِ الْعَيْشِ شَيْءٌ أُمرُّهُ *** كُرُوبٌ عَلَى آثَارِهِنّ كُرُوبُ
ثم قال : { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا } فيه قولان :
أحدهما : أن نعود في القرية إلاّ أن يشاء الله ، قاله بعض المتكلمين .
والثاني : وهو قول الجمهور أن نعود في ملة الكفر وعبادة الأوثان .
فإن قيل فالله تعالى لا يشاء عبادة الأوثان فما وجه هذا القول من شعيب ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قد كان في ملتهم ما يجوز التعبد به .
والثاني : أنه لو شاء عبادة الوثن لكانت عبادته طاعة لأنه شاءه كتعبده بتعظيم الحجر الأسود .
والثالث : أن هذا القول من شعيب على التعبيد والامتناع كقوله تعالى :
{ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ } [ الأعراف : 40 ] وكقولهم : حتى يشيب الغراب .
ثم قال : { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَومِنَا بِالْحَقِّ وََأَنتَ خَيرُ الْفَاتِحِينَ } فيه وجهان :
أحدهما : اكشف بيننا وبين قومنا ، قاله قتادة .
والثاني : احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين . وذكر الفراء ، أن [ أهل ] عُمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح . وقال غيره : إنه لغة مراد ، قال الشاعر :
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عُصَمَ رَسُولاً *** بِأَنِّي عَنْ فَتَّاحِكُمُ غَنِي
وقد قال ابن عباس : كنت لا أدري ما قوله : { رَبَّنَا افتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ } حتى سمعت بنت ذي يزن تقول : تعالَيْ أفاتحك ، يعني أقاضيك .
وقيل : إنه سمي بذلك لأنه يفتح باب العلم الذي قد انغلق على غيره .
فإن قيل : فما معنى قوله { بِالْحَقِّ } ومعلوم أن الله لا يحكم إلا بالحق ؟ .
ففي الجواب عنه أربعة{[1107]} أوجه : أحدها : أنه قال ذلك صفة لحكمه لا طلباً له .
والثاني : أنه سأل الله أن يكشف [ الحق ] لمخالفه من قومه أنه على حق .
والثالث : أن معناه احكم بيننا [ بالحكم ] الذي هو الحق ، قاله ابن بحر .
والرابع : احكم في الدنيا بنصر الحق ، قاله السدي{[1108]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.