بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ} (89)

قال لهم شعيب : { قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ } يقول : قد اختلقنا على الله كذباً إن دخلنا في دينكم { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا } يقول : إن الله تعالى أكرمنا بالإسلام وأنقذنا من ملّتكم . يقال : معناه كنا كاذبين مثلكم لو دخلنا في دينكم { بعد إذ } نجانا الله منها . ويقال : أكرمنا الله تعالى بالإسلام ولم يجعلنا من أهل الكفر فأنقذنا وأبعدنا من ملتكم . { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله } يعني : ما ينبغي لنا وما يجوز لنا أن ندخل في ملتكم إلا أن يشاء الله { رَبَّنَا } دخولنا فيها وأن ينزع المعرفة من قلوبنا . ويقال : معناه وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يكون في علم الله ومشيئته أنا نعود فيها . ويقال : معناه إلا أن يشاء الله يعني : لا يشاء الله الكفر مثل قولك . لا أكلمك حتى يبيض القار ، وحتى يشيب الغراب ، وهذا طريق المعتزلة .

ثم قال : { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا } يعني : علم ما يكون منا ومن الخلق { عَلَى الله تَوَكَّلْنَا } أي فوضنا أمرنا إلى الله لقولهم : { لَنُخْرِجَنَّكَ يا شعيب شُعَيْبٌ } { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق } أي اقض بيننا وبين قومنا بالعدل . وروى قتادة عن ابن عباس قال : ما كنت أدري ما معنى قوله : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا } حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لعلي بن أبي طالب تعال أفاتحك يعني : أخاصمك . وقال القتبي : الفتح أن تفتح شيئاً مغلقاً كقوله : { وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين } [ الزمر : 73 ] وسمي القضاء فتحاً لأن القضاء فصل للأمور وفتح لما أشكل منها { وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } يعني : خير الفاصلين .