فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ} (89)

{ قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ } التي هي الشرك { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا } بالإيمان ، فلا يكون منا عود إليها أصلاً { وَمَا يَكُونُ لَنَا } أي ما يصح لنا ولا يستقيم { أَن نَّعُودَ فِيهَا } بحال من الأحوال { إِلاَّ أَن يَشَاء الله } أي إلا حال مشيئته سبحانه ، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . قال الزجاج : أي إلا بمشيئة الله عزّ وجلّ ، قال : وهذا قول أهل السنة . والمعنى : أنه لا يكون منا العود إلى الكفر ، إلا أن يشاء الله ذلك ، فالاستثناء منقطع . وقيل : إن الاستثناء هنا على جهة التسليم لله عزّ وجلّ ، كما في قوله : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بالله } وقيل : هو كقولهم لا أكلمك حتى يبيضّ الغراب ، وحتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، والغراب لا يبيض ، والجمل لا يلج ، فهو من باب التعليق بالمحال .

{ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا } أي أحاط علمه بكل المعلومات ، فلا يخرج عنه منها شيء ، و { علماً } منصوب على التمييز . وقيل المعنى : { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا } أي القرية بعد أن كرهتم مجاورتنا [ لكم ] { إِلاَّ أَن يَشَاء الله } عودنا إليها { عَلَى الله تَوَكَّلْنَا } أي عليه اعتمدنا في أن يثبتنا على الإيمان ، ويحول بيننا وبين الكفر وأهله ، ويتمّ علينا نعمته ، ويعصمنا من نقمته .

قوله : { رَبَّنَا افتتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } الفتاحة الحكومة ، أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين . دعوا الله سبحانه أن يحكم بينهم ، ولا يكون حكمه سبحانه إلا بنصر المحقين على المبطلين ، كما أخبرنا به في غير موضع من كتابه فكأنهم طلبوا نزول العذاب بالكافرين ، وحلول نقمة الله بهم .

/خ93