معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

قوله تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين } . الآية نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ، يعرف الحزن في وجهه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما غير لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع ، غير أني إن لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى لقاك ، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً ، فنزلت هذه الآية . وقال قتادة : قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يكون الحال في الجنة وأنت في الدرجات العلا ؟ ونحن أسفل منك ؟ وكيف نراك ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية . ( ومن يطع الله ) في أداء الفرائض ، { والرسول } في السنن { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين } أي لا تفوتهم رؤية الأنبياء ومجالستهم ، لأنهم يرفعون إلى درجة الأنبياء .

قوله تعالى : { والصديقين } . وهم أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والصديق المبالغ في الصدق .

قوله تعالى : { والشهداء } قيل : هم الذين استشهدوا في يوم أحد ، وقيل : الذين استشهدوا في سبيل الله ، وقال عكرمة : ( النبيون ) هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، والصديق : أبو بكر ، ( والشهداء ) عمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم

قوله تعالى : { والصالحين } . سائر الصحابة رضي الله عنهم .

قوله تعالى : { وحسن أولئك رفيقاً } يعني : رفقاء في الجنة ، والعرب تضع الواحد موضع الجمع ، كقوله تعالى : { ثم نخرجكم طفلاً } [ غافر :67 ] أي : أطفالاً { ويولون الدبر } أي : الأدبار .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنا أبو العباس السراج ، أنا قتيبة بن سعيد ، أنا حمد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلاً قال : يا رسول الله الرجل يحب قوماً ولما يلحق بهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب } .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، وأبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي قالا : " أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله متى الساعة ؟ قال : وما أعددت لها ؟ قال : لا شيء ؟ إلا أني أحب الله ورسوله . قال : فأنت مع من أحببت " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم } مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق وأعظمهم قدرا . { من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } بيان للذين أو حال منه ، أو من ضميره قسمهم أربعة بحسب منازلهم في العلم والعمل ، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم ، وهم : الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل . ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان ، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها . ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى . ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته . ولك أن تقول المنعم عليهم هم العارفون بالله وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان . والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبا وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولا فيكونون كمن يرى الشيء بعيدا وهم الصديقون ، والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه ، وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم وهم الصالحون . { وحسن أولئك رفيقا } في معنى التعجب ، و{ رفيقا } في معنى التعجب ، و{ رفيقا على التمييز أو الحال ولم يجمع لأنه يقال للواحد والجمع كالصديق ، أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

لما ذكر الله الأمر الذي لو فعلوه لأنعم عليهم ، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله ، وهذه الآية تفسير قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم }{[4140]} وقالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أري الأذان ، يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك ، وذكر حزنه على ذلك ، فنزلت هذه الآية ، وحكى مكي عن عبد الله هذا ، أنه لما مات النبي عليه السلام ، قال : اللهم أعمني حتى لا أرى شيئاً بعده ، فعمي ، وذكر أن جماعة من الأنصار قالت ذلك أو نحوه ، حكاه الطبري عن ابن جبير وقتادة والسدي .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى - أنهم معهم - أنهم في دار واحدة ، ومتنعم واحد ، وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله ، وذهب عنه أن يعتقد أنه مفضول ، وإن كنا نحن قد علمنا من الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم ، وعلى قدر فضل الله على من شاء ، و «الصدّيق » فعيل من الصدق ، وقيل من الصدقة ، وروي عن النبي عليه السلام : ( الصديقون المتصدقون ){[4141]} ، والشهداء المقتولون في سبيل الله ، هم المخصوصون بفضل الميتة{[4142]} ، وهم الذي فرق الشرع حكمهم في ترك الغسل والصلاة ، لأنهم أكرم من أن يشفع لهم ، وسمعوا بذلك لأن الله شهد لهم بالجنة ، وقيل لأنهم شهدوا لله بالحق في موتهم ابتغاء مرضاته ، ولكن لفظ ، { الشهداء } في هذه الآية يعم أنواع الشهداء ، و { رفيقاً } موحد في معنى الجمع ، كما قال : { ثم يخرجكم طفلاً }{[4143]} ونصبه على التمييز ، وقيل على الحال ، والأول أصوب ، وقرأ أبو السمال ، «وحسْن » بسكون السين ، وذلك مثل شجر بينهم .


[4140]:- أخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسّنه- عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يزد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم}. الآية (الدر المنثور)- وقال ابن كثير بعد أن رواه: "وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن عبد الله بن عمران العابدي، ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا" والله أعلم.
[4141]:- أخرج ابن جرير عن المقداد، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: قلت في أزواجك: إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين، قال: (من تعنون الصديقين)؟ قلت: أولادنا الذين هلكوا صغارا، قال: (لا، ولكن الصديقين هم المصدقون). (الدر المنثور).
[4142]:- أي: الذين خصوا بأفضل أنواع الميتات- وفي بعض النسخ من الأصول زيادة لفظ الجلالة: (الله) بين كلمتي (فضل) و(الميتة). وآثرنا حذفها حتى يستقيم المعنى، ولعلها من أغلاط الناسخ.
[4143]:- من الآية (67) من سورة (المؤمن)- و[رفيقا] جاء مفردا إما لما قاله ابن عطية، وإما لأنه مثل الخليط والصديق يكون للمفرد والمثنى والجمع، وفضّل في "البحر المحيط" الرأي الأول لكونه فاصلة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

تذييل لجملة : { وإذن لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً } [ النساء : 67 ] وإنّما عطفت باعتبار إلحاقها بجملة : { ومن يطع الله والرسول } على جملة { ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به } [ النساء : 66 ] . وجيء باسم الإشارة في جملة جواب الشرط للتنبيه على جدارتهم بمضمون الخبر عن اسم الإشارة لأجل مضمون الكلام الذي قبل اسم الإشارة . والمعيّة معيّة المنزلة في الجنة وإن وإن كانت الدرجات متفاوتة .

ومعنى { من يطع } من يتّصف بتمام معنى الطاعة ، أي أن لا يعصي الله ورسوله . ودلّت ( مع ) على أنّ مكانة مدخولها أرسخ وأعرف ، وفي الحديث الصحيح " أنت مع من أحببت " . والصديّقون هم الذين صدَّقوا الأنبياء ابتداء ، مثل الحواريين والسابقين الأوّلين من المؤمنين . وأمّا الشهداء فهم من قُتلوا في سبيل إعلاء كلمة الله . والصالحون الذين لزمتهم الاستقامة .

و ( حَسُنَ ) فعل مراد به المدح ملحق بنعم ومضمّن معنى التعجّب من حسنهم ، وذلك شأن فَعُل بضم العين من الثلاثي أن يدلَّ على مدح أو ذمّ بحسب مادّته مع التعجّب . وأصل الفعل حَسَنَ بفتحتين فحوّل إلى فعُل بضمّ العين لقصد المدح والتعجّب . و { أولئك } فاعل { حسن } . و { رفيقا } تمييز ، أي ما أحسنهم حسنوا من جنس الرفقاء . والرفيق يستوي فيه الواحد والجمع ، وفي حديث الوفاة « الرفيقَ الأعلى » .