تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

الآية 69

وقوله تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين }الآية . قيل في بعض القصة : إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قال : والذي لا إله غيره لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ، وإني لأذكرك ، فلولا أني أجيء ، فأنظر إليك لرأيت أني سأموت ، وذكرت موتي وموتك ومنزلتك في الجنة ، وترفع مع النبيين ، فإني وإن دخلت الجنة كنت دون ذلك ، وذكرت فراقي إياك عند الموت ، فبكيت لذلك ، فما أجابني النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فأنزل الله تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين }الآية .

قال{[5908]} رسول الله صلى الله عليه وسلم : خرج ذات يوم على بعض أصحابه ، فرأى ( على ){[5909]} وجوههم كآبة وجزعا ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لكم ؟ وما غير وجوهكم ولونكم ؟ فقالوا : يا رسول الله ما بنا من مرض ولا وجع غير أنا إذا لم نرك ، ولم نلقك ، اشتقن إليك ، واستوحشنا وحشة شديدة حتى نلقاك ، فهذا الذي ترى من اجل ذلك . ونذكرك بالآخرة فنخاف ألا نراك هناك . فأنزل الله تعالى الآية : { ومن يطع الله/102-أ/ والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } الآية .

ويحتمل أن لم يكن في واحد من ذلك ، ولكن في وجوه أخر :

أحدها : أن اليهود وغيرهم من الكفرة والذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرطوا في تعنتهم وتمردهم في ترك إجابتهم إياه وطاعتهم له ، ظنوا أنهم ، وإن أسلموا ، وأطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك منهم : توبتهم ، ولم ينزلوا منزلة من لم يؤذه ، ولم يترك طاعته ، فأخبر عز وجل أنه إذا أطاع( المرء ){[5910]} الله والرسول فيكون{ مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } كأن لم يترك طاعته ، والله أعلم ، كما قال الله تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( الأنفال : 38 ) .

والثاني {[5911]} : أن يكون ذلك لما سمعوا أن لكل أحد في الجنة مثل الدنيا ، فظنوا ألا يكون لهم الاجتماع والالتقاء ليبعد بعضهم من بعض ، فأخر عز وجل أن يكون لهم الاجتماع ؛ لأن ذلك لهم في الدنيا من أعظم النعم وأجلها .

والثالث{[5912]} : أن يكون على الابتداء : أن من أطاع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فسيكون{ مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } في دار واحدة ، لا يكونون في غيرها {[5913]} .

فهذه الوجوه كأنها أشبه ، واله أعلم ، إذا{[5914]} هم في الطاعة أجابوا ، والله أعلم .

ثم اختلف في { والصديقين } قال بعضهم : أتباع الأنبياء صلى الله عليه وسلم وخلفاؤهم في كل أمر من التعليم والدعاء لهم إلى كل خير وطاعة . وقيل : الصديق{[5915]} ، هو الذي يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في أول دعوة دعاه إلى دين الله تعالى ، وفي أول ما عاينه .

وقوله تعالى : { والشهداء } قيل : الشهيد الذي قتل في سبيل الله ، وقيل : الشهيد هو القائم بدينه ، وقيل : { والصديقين والشهداء والصالحين } كله واحد .


[5908]:في الأصل وم: فقال.
[5909]:ساقطة من الأصل وم.
[5910]:ساقطة من الأصل وم.
[5911]:في الأصل وم: يحتمل.
[5912]:في الأصل وم: يحتمل.
[5913]:في الأصل وم:غيره.
[5914]:في الأصل وم:إذ.
[5915]:في الأصل وم:الصديقين.