ثم أكد أمر الطاعة بقوله : { ومن يطع الله والرسول } ولا شك أن الآية عامة في جميع المكلفين إلاّ أن المفسرين ذكروا في سبب نزولها وجوهاً . قال الكلبي : " نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن . فقال له : يا ثوبان ما غيّر لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك هناك لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين وأني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذاك حريّ أن لا أراك أبداً " .
وقال مقاتل : " نزلت في رجل من الأنصار قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إذا خرجنا من عندك إلى أهالينا اشتقنا إليك فيما ينفعنا شيء حتى نرجع إليك ، ثم ذكرت درجتك في الجنة فكيف لنا برؤيتك إن دخلنا الجنة فأنزل الله هذه الآية . فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أتى الأنصاري ولده وهو في حديقة له فأخبره بموت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم أعمني حتى لا أرى شيئاً بعده فعمي مكانه " . وقال السدي : إن ناساً من الأنصار قالوا : يا رسول الله إنك تسكن الجنة في أعلاها ونحن نشتاق إليك فكيف نصنع فنزلت . وليس المراد من كون المطيعين مع المذكورين في الآية أن كلهم في درجة واحدة فإن ذلك يقتضي التسوية بين الفاضل والمفضول وإنه محال ، ولكن المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وإن بعد المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضاً ، أو إذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا على ذلك . والتحقيق فيه أن عالم الأنوار لا تمانع فيها ولا تدافع بل ينعكس بعضها على بعض ويتقوى بعضها ببعض كالمرايا المجلوة المتقابلة .
{ إخواناً على سرر متقابلين }[ الحجر :47 ] . ثم إنه تعالى ذكر أصنافاً أربعة : النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولا شك في تغايرها متداخلة كانت أو متباينة . والمراد بالتداخل أن لا يمتنع كون كل متقدم موصوفاً بما يتلوه كأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صديقاً وشهيداً وصالحاً ، أو الصديق شهيداً وصالحاً ، وقد مر تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل البقرة ، وأما الصديق فمبالغة الصادق وهو من غلب على أقواله الصدق وإنه لخصلة مرضية في جميع الأديان ومحققة للنطق الذي هو من مقومات الإنسان ، وكفى به منقبة أن الإيمان ليس إلا التصديق ، وكفى بنقيضه مذمة أن الكفر ليس سوى التكذيب . وذكر المفسرون أكثرهم أن الصديقين في الآية كل من صدق بكل الدين لا يتخالجه فيه شك لقوله تعالى :{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون }[ الحديد :19 ] وقال قوم : هم أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخصصه بعضهم بمن سبق إلى تصديق الرسول فصار في ذلك قدوة الناس كأبي بكر وعلي وأمثالهما ، ولا واسطة بين الصديق والنبي ولذلك قال في هذه الآية : { مع النبيين والصديقين } . وفي صفة إبراهيم { إنه كان صديقاً نبياً }[ مريم :41 ] يعني أنك إن ترقيت من الصديقين وصلت إلى النبوة وإن نزلت من النبوة وصلت إليهم . وأما الشهداء فالمراد بهم ههنا أعم من المقتولين بسيف الكفار كمن المسلمين . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا : يا رسول من قتل في سبيل الله . قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل . من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات بالبطن فهو شهيد " . وفي رواية " ومن مات بجمع فهو شهيد " . وقيل : هو الذي يشهد لصحة دين الله تارة بالحجة والبيان وأخرى بالسيف والسنان . وأقول : لا يبعد أيضاً أن يدخل كل هذه الأمة في الشهداء لقوله تعالى :{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس }[ البقرة :143 ] . وأما الصالحون فالصالح هو الذي صلح في اعتقاده وفي عمله وهذه مرتبة لا ينبغي أن تنحط عنها مرتبة المؤمن . ثم قال في معرض التعجب { وحسن أولئك رفيقاً } كأنه قيل : وما أحسن أولئك . والرفيق كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه وانتصابه على الحال ، ويجوز أن يكون مفرداً بيّن به الجنس في باب التمييز . وقيل : معناه حسن كل واحد منهم رفيقاً كما قال { يخرجكم طفلاً }[ الحج :5 ] والرفق في اللغة لين الجانب ولطافة الفعل فسمي الصاحب رفيقاً لارتفاقك به وتصحيبه ، ومن الرفقة في السفر لارتفاق بعضهم ببعض . وقد يكون الإنسان مع غيره ولا يكون رفيقاً له فبيّن الله تعالى أن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين يكونون كالرفقاء للمطيع من شدة محبتهم له وسرورهم برؤيته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.