السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

{ ومن يطع الله } في امتثال أوامره والوقوف عند زواجره { والرسول } أي : في كل ما أراده فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك لا سيما من بلغ نهايتها { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم } أي : معدود من حزبهم ، فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليهم بسهولة ، وقوله تعالى : { من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين } بيان للذين حال منه أو من ضميره ، قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم ، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل ، ثم الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه ، ثم الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة والجدّ في إظهار الحق حتى بذلوا مهجتهم في إعلاء كلمة الله تعالى ، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته { وحسن } أي : وما أحسن { أولئك } أي : العالون الأخلاق السابقون { رفيقاً } من الرفق وهو لين الجانب ولطافة الفعل ، وهو مما يستوي واحده وجمعه أي : رفيقاً في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم ورؤيا ربهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم .

روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله الرجل يحب قوماً ولم يلحق بهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب ) .

وروي أيضاً أن رجلاً قال : يا رسول الله متى الساعة ؟ قال : ( وما أعددت لها ؟ ) فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله قال : ( فأنت مع من أحببت ) .