الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

قولهم : ( وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) الآية [ 69-70 ] .

المعنى من يعط الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم بتسليم لأمرهما والرضا بحكمهما ، فهو مع الذين أنعم الله عليهم لأنبيائه ، وأهل طاعته في الآخرة ( وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ) أي : وحسن الأنبياء ومن معهم رفيقاً .

و( رَفِيقاً ) منصوب على الحال عند الأخفش ، بمعنى رفقاء( {[12838]} ) ، وقال الكوفيون : نصبه على التفسير( {[12839]} ) ، وقال بعض البصريين نصبه على التمييز( {[12840]} ) .

والصديقون : أتباع الأنبياء صلوات الله عليهم ، صدقوهم( {[12841]} ) فهو فعيل من الصدق وقد كثر ذلك عنه( {[12842]} ) .

وقيل : هو فعيل من الصدقة كأنه ( كثر )( {[12843]} ) ذلك منه( {[12844]} ) .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حكاية( {[12845]} ) أنه قال : " الصديقون المتصدقون " ( {[12846]} ) .

وفعيل أصله المبالغة في ذم أو مدح .

( وَالشُّهَدَاءِ ) جمع شهيد ، وهو المقتول في سبيل الله [ شهد لله( {[12847]} ) عز وجل بالحق( {[12848]} ) ، فسمي شهيداً لذلك . وقيل : سمي شهيداً لأنه يشهد كرامة الله ] سبحانه( {[12849]} ) وقيل( {[12850]} ) : لأنه يشهد على العباد بأعمالهم يوم القيامة( {[12851]} ) ، وقيل : هم الذين قاموا وشهدوا لله بالحق( {[12852]} ) . ويقال : الشهداء عدول يوم القيامة( {[12853]} ) .

( وَالصَّالِحِينَ ) كل من صلحت سريرته وعلانيته . ( وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ) في الجنة . والرزق لفظه لفظ واحد وهو في معنى الجمع .

ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم حزنوا على فقد النبي صلى الله عليه وسلم حذر ألا يروه في الآخرة ، فأخبرهم الله عز وجل أن من أطاعه ، وأطاع رسوله مع النبيين في الجنة( {[12854]} ) .

وقال ابن جبير : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون : قيل : هو عبد الله بن زيد( {[12855]} ) الذي رأى الآذان في منامه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " مالي أراك محزوناً ؟ " فقال : يا نبي الله ، شيء فكرت فيه فقال : " ما هو ؟ " فقال : نحن نغدو ونروح ننظر في وجهك ونجالسك ، وغداً ترفع مع( {[12856]} ) النبيين فلا نصل إليك ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فأتاه جبرئيل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية : ( وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيئِينَ ) الآية .

فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره( {[12857]} ) .

وقال مسروق( {[12858]} ) : قال( {[12859]} ) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قد مت رفعت فوقنا ، فلم نرك ، فأنزل الله عز وجل ( وَمَن يُّطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) الآية : وروي نحو ذلك قتادة والسدي وغيرهما( {[12860]} ) .

وقال عطاء : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فقال : " ما يبكيك يا فلان ؟ فقال : يا نبي الله والله الذي لا إله إلاّ هو ، لأنت أحب إلي من أهلي ومالي ، والله الذي لا إله إلا هو ، لأنت أحب إلي من نفسي ، وأنا أذكرك وأنا في أهلي ، فيأخذني الجنون حتى أراك ، فذكرت موتك وموتي ، فعرفت ألا اجتمع معك( {[12861]} ) ، إلا في الدنيا ، وأنت ترفع مع النبيين وعرفت أني إن دخلت الجنة منزلتي أدنى من منزلتك ، فلم يرد( {[12862]} ) النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فأنزل الله عز وجل ( وَمَن يُّطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) الآية( {[12863]} ) .

قيل هو عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في المنام( {[12864]} ) وروي أنه لما بلغه موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اعمني حتى لا أرى شيئاً بعد حبيبي صلى الله عليه وسلم فعمي( {[12865]} ) من وقته .


[12838]:- انظر: معاني الأخفش 1/450، وإعراب النحاس 1/432.
[12839]:- لأن العرب تقول: حسن أولئك من رفقاء، وكرم زيد من رجل، ودخول "من" يدل على أنه مفسر ذلك الفعل. انظر: إعراب النحاس 431.
[12840]:- لأنه ينوب عن رفقاء. انظر: مجاز القرآن و1/131، ومعاني الزجاج 2/432، والبيان في غريب الإعراب 1/258.
[12841]:- (د): صدقوهم صدقوهم.
[12842]:- انظر: جامع البيان 5/162.
[12843]:- ساقط من (أ) (ج).
[12844]:- انظر: جامع البيان 5/162.
[12845]:- (أ): فحكاية وهو خطأ.
[12846]:- خرجه الطبري عن المقداد من حديث طويل "بلفظ" ولكن الصديقين هم المصدقون". انظر: جامع البيان 5/169، وخرجه السيوطي عنه ولم ينسبه لغيره 2/594.
[12847]:- (د): الله.
[12848]:- انظر: جامع البيان 5/162-163. وهو مرسل عنده عن أبي إسحاق السبيعي. [المدقق].
[12849]:- ساقط من (أ).
[12850]:- انظر: إعراب النحاس 1/432.
[12851]:- انظر: المصدر السابق.
[12852]:- انظر: المصدر السابق.
[12853]:- انظر: المصدر السابق.
[12854]:- انظر: جامع البيان 5/163، والدر المنثور 2/589.
[12855]:- هو أبو محمد عبد الله بن زيد بن ثعلبة الأنصاري توفي 32 هـ صحابي شهد بدراً وأُحداً. انظر: أسد الغابة 3/143، والإصابة 2/304.
[12856]:- (أ) (ج): من وهو خطأ.
[12857]:- انظر: المعجم الصغير 1/26، وجامع البيان 5/163، والدر المنثور 2/584. قال ابن كثير: وقد روي هذا الأثر مرسلاً عن مسروق وعكرمة، وعامر الشبي، وقتادة وعن الربيع بن أنس وهو من أحسنها سنداً 20/354.
[12858]:- هو أبو يمامة مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني توفي 63 هـ تابعي، ثقة من أهل اليمن. انظر: تاريخ الثقات 426. والإصابة 3/469، والتهذيب 10/109.
[12859]:- (ج): وقال مسروق وقال.
[12860]:- انظر: جامع البيان 5/163، والدر المنثور 2/583.
[12861]:- (د): بك.
[12862]:- (أ): فلم ير النبي.
[12863]:- انظر: جامع البيان 5/163، والدر المنثور 2/583. ونسبه إلى سعيد بن منصور [المدقق].
[12864]:- تقدم هذا فلا وجه لإعادته وقد اختلفوا في اسم الصحابي. انظر: الواحدي في أسباب النزول 94، ولباب النقول 84.
[12865]:- (د): بمعنى.