نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓئِكَ رَفِيقٗا} (69)

ولما رغب في العمل بمواعظه ، وكان الوعد{[21891]} قد يكون لغلظ في الموعوظ{[21892]} ، وكان ما{[21893]} قدمه في وعظه أمراً مجملاً ؛ رغب بعد ترقيقه بالوعظ{[21894]} في مطلق الطاعة التي المقام كله لها ، مفصلاً{[21895]} إجمال ما وعد{[21896]} عليها فقال : { ومن يطع الله } أي في امتثال أوامره والوقوف عند زواجره مستحضراً عظمته - طاعة هي على سبيل التجدد والاستمرار { والرسول } أي في كل ما أراده{[21897]} ، فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك ، لا سيما من بلغ نهايتها { فأولئك } أي{[21898]} العالو{[21899]} الرتبة العظيمو الشرف { مع الذين أنعم{[21900]} } أي بما له من صفات الجلال والجمال { عليهم } أي معدود من حزبهم{[21901]} ، فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليها بسهولة ، لا أنه يلزم أن يكون في درجاتهم وإن كانت اعماله قاصرة . ثم بينهم بقوله : { من النبيين } أي الذين أنبأهم الله بدقائق الحكم ، وأنبؤوا{[21902]} الناس بحلائل الكلم ، بما لهم من طهارة الشيم والعلو والعظم { والصديقين } أي الذين صدقوا أول الناس ما{[21903]} أتاهم عن الله وصدقوا هم في أقوالهم وأفعالهم ، فكانوا قدوة لمن بعدهم { والشهداء } أي الذين لم يغيبوا أصلاً{[21904]} عن حضرات القدس ومواطن الأنس طرفة عين ، بل هم مع الناس بجسومهم ومع الله سبحانه وتعالى بحلومهم وعلومهم{[21905]} سواء شهدوا لدين الله بالحق ، ولسواه بالبطلان بالحجة أو{[21906]} بالسيف ، ثم قتلوا في سبيل{[21907]} الله { والصالحين } أي الذين لا يعتريهم في ظاهر ولا باطن بحول الله فساد أصلاً ، وإلى هذا يشير كلام العارف الشيخ رسلان{[21908]} حيث{[21909]} قال : ما صلحت ما دامت فيك بقية لسواه ، وقد تجتمع الصفات الأربع في شخص وقد لا تجتمع{[21910]} ، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أحق الأمة بالصديقية وإن قلنا : إن علياً وزيداً رضي الله تعالى عنهما أسلما قبله ، لأنه - {[21911]}لكبره وكونه{[21912]} لم يكن قبل الإسلام تابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لغيره ، ولذلك كان سبباً لإسلام{[21913]} ناس{[21914]} كثير وأولئك كانوا سبباً لإسلام غيرهم ، فكان له مثل أجر الكل ، وكان فيه حين إسلامه قوة الجهاد في الله سبحانه وتعالى بالمدافعة عن النبي صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الأفعال الدالة على صدقه ، ولملاحظة هذه الأمور كانت رتبتها تلي رتبة النبوة ، ولرفع{[21915]} الواسطة بينهما وفق{[21916]} الله سبحانه وتعالى هذه الأمة التي اختارها بتولية الصديق رضي الله تعالى عنه بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ودفنه إلى جانبه ، ومن عظيم رتبتهم تنويه{[21917]} النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره بهم فقال : " مع الرفيق الأعلى " روى البخاري في التفسير عن عائشة رضي الله عنهما قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة "

وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحّة{[21918]} شديدة ، فسمعته يقول : { مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } فعلمت أنه خيّر .

ولما أخبر أن المطيع مع هؤلاء ، لم يكتف{[21919]} بما أفهم ذكرهم من جلالهم وجلال من معهم ، بل زاد في بيان علو مقامهم ومقام كل من معهم بقوله : { وحسن } أي وما أحسن { أولئك } أي العالو الأخلاق السابقون يوم السباق { رفيقاً * } من الرفق ، وهو لغة : لين الجانب ولطافة الفعل ، وهو مما يستوي واحده{[21920]} وجمعه .


[21891]:في ظ: الوعظ.
[21892]:في ظ: المواعظ.
[21893]:سقط من ظ.
[21894]:زيد بعده في الأصول: رغب.
[21895]:في ظ: إجمالا ما وعى.
[21896]:في ظ: إجمالا ما وعى
[21897]:من ظ ومد، وفي الأصل: إرادة.
[21898]:زيد من مد.
[21899]:زيد من ظ.
[21900]:سقط من ظ.
[21901]:في ظ: حرنهم ـ كذا.
[21902]:من ظ ومد، وفي الأصل: انبساط ـ كذا.
[21903]:من مد، وفي الأصل وظ: بما.
[21904]:في ظ: أبدا.
[21905]:زيد من ظ ومد.
[21906]:من ظ، وفي الأصل ومد: لو.
[21907]:سقط من ظ ومد.
[21908]:من مد والأعلام للزركلى، وفي الأصل: مرسلان، وفي ظ: زسلان ـ كذا.
[21909]:زيد من ظ ومد.
[21910]:من ظ ومد، وفي الأصل: يجتمع.
[21911]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكونه وكبره.
[21912]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكونه وكبره.
[21913]:زيد من ظ ومد.
[21914]:من ظ ومد، وفي الأصل: لناس.
[21915]:في ظ: رفع.
[21916]:في ظ: قوة.
[21917]:من ظ ومد، وفي الأصل: ثبوته.
[21918]:أي خشونة وغلظ في الصوت، وفي ظ: بعد.
[21919]:من ظ ومد، وفي الأصل: لم يكن.
[21920]:من مد، وفي الأصل وظ: واحدة.