معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

قوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء } أي : عمد إلى خلق السماء ، { وهي دخان } وكان ذلك الدخان بخار الماء ، { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً } أي : ائتيا ما آمركما أي : افعلاه ، كما يقال : ائت ما هو الأحسن ، أي : افعله . وقال طاوس عن ابن عباس : ائتيا : أعطيا ، يعني اخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد . قال ابن عباس : قال الله عز وجل : أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعاً وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع ، و{ قالتا أتينا طائعين } ولم يقل طائعتين ، لأنه ذهب به إلى السماوات والأرض ومن فيهن ، مجازه : أتينا بما فينا طائعين ، فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

{ ثم استوى إلى السماء } أي : قصد إليها ، ويقتضي هذا الترتيب : أن الأرض خلقت قبل السماء ، فإن قيل : كيف الجمع بين ذلك وبين قوله : { والأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] فالجواب أنها خلقت قبل السماء ، ثم دحيت بعد ذلك .

{ وهي دخان } روي : أنه كان العرش على الماء فأخرج إليه من الماء دخان فارتفع فوق الماء فأيبس الماء فصار أرضا ، ثم خلق السماوات من الدخان المرتفع .

{ فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } هذه عبارة عن لزوم طاعتهما كما يقول الملك لمن تحت يده : افعل كذا شئت أو أبيت أي : لا بد لك من فعله ، وقيل : تقديره ائتيا طوعا وإلا أتيتما كرها ومعنى : هذا الإتيان تصويرهما على الكيفية التي أرادها الله وقوله لهما : { ائتيا } مجاز وهو عبارة عن تكوينه لهما وكذلك قولهما : أتينا طائعين عبارة عن أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما وقيل : بل ذلك حقيقة وأنطق الله الأرض والسماء بقولهما : أتينا طائعين وإنما جمع طائعين جمع العقلاء لوصفهما بأوصاف العقلاء .