{ في جيدها } في عنقها ، وجمعه أجياد ، { حبل من مسد } واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من المسد وهو الفتل ، والمسد ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها فتلت من الحديد فتلاً محكماً . وروى الأعمش عن مجاهد : { من مسد } أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها : المحور . وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح ، فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها . قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد . قال قتادة : قلادة من ودع . وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها فاخرة ، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم .
{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال مجاهد ، وعروة : من مَسد النار .
وعن مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والثوري ، والسدي : { حَمَّالَةَ الحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة ، [ واختاره ابن جرير ] {[30698]} .
وقال العوفي عن ابن عباس ، وعطية الجدلي ، والضحاك ، وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختاره ابن جرير .
قال ابن جرير : وقيل : كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب ، فعيرت بذلك .
كذا حكاه ، ولم يعزه إلى أحد . والصحيح الأول ، والله أعلم .
قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد ، يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وكيع ، عن سليم{[30699]} مولى الشعبي ، عن الشعبي قال : المسد : الليف .
وقال عروة بن الزبير : المسد : سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا .
وعن الثوري : هو قلادة من نار ، طولها سبعون ذراعًا .
وقال الجوهري : المَسَدُ : الليف . والمَسَد أيضا : حبل من ليف أو خوص ، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، ومسدت الحبل أمسدُهُ مَسْدًا : إذا أجْدتُ فَتله{[30700]} .
وقال مجاهد : { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } أي : طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مَسَدًا ؟
وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } أي : في عنقها حبل في نار [ جهنم ]{[30701]} تُرفَع به إلى شفيرها ، ثم يرمى بها إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما .
قال أبو الخطاب بن دَحْية في كتابه التنوير{[30702]} - وقد رَوَى ذلك - : وعُبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب " النبات " : كلّ مَسَد : رشاء ، وأنشد في ذلك :
وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا *** وَمَسَدًا مِنْ أبق مُغَارًا
يا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مني *** إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنا فإني
ما شئْتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ
قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان ، لم يقيض لهما أن يؤمنا ، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا ، لا مسرًا ولا معلنًا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة .
[ آخر تفسير " تبت " ولله الحمد والمنة ]{[30703]}
وقوله : { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يقول : في عنقها ، والعرب تسمي العنق جيدا ، ومنه قول ذي الرّمّة :
فَعَيْناكِ عَيْناها وَلَوْنُكِ لَوْنُها *** وَجِيدُكِ إلاّ أنّها غَيرُ عاطِلِ
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { فِي جِيدِها حَبْلٌ } قال : في رقبتها .
وقوله : { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : هي حبال تكون بمكة . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : حبل من شجر ، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : هي حبال تكون بمكة ، ويقال : المَسَد : العصا التي تكون في البكرة ، ويقال المَسَد : قلادة من وَدَع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : في قوله : { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد ، وكانت تفتل ، وقال { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } : حبل من نار في رقبتها .
وقال آخرون : المَسَد : الليف . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن يزيد ، عن عروة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : سلسلة من حديد ، ذرعها سبعون ذراعا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن رجل يقال له يزيد ، عن عروة بن الزّبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن يزيد ، عن عُرْوة بن الزبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن مجاهد { مِنْ مَسَدٍ } قال : من حديد .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : حبل في عنقها في النار مثل طوق ، طوله سبعون ذراعا .
وقال آخرون : المَسَد : الحديد الذي يكون في البَكْرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : الحديدة تكون في البَكْرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : عود البكرة من حديد .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : الحديدة للبكرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : حدثنا المعمر بن سليمان ، قال : قال أبو المعتمر : زعم محمد أن عكرِمة قال : { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } إنه الحديدة التي في وسط البكرة .
وقال آخرون : هو قِلادة من وَدَع في عنقها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : قلادة من وَدَع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال : قلادة من وَدَع .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هو حبلٌ جُمع من أنواع مختلفة ، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا ، ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز :
وَمَسَدٍ أُمِرّ مِنْ أيانِقَ *** صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخَ زَاهِقِ
فجعل إمراره من شتى ، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب ، أُمِرّ من أشياء شتى ، من ليف وحديد ولحاء ، وجعل في عنقها طوقا كالقلادة من ودع ، ومنه قول الأعشى :
تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِنْ دُونِنا *** غَلْقا صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسادِ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.