اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

قوله : { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يجوز أن يكون «في جيدها » خبراً ل «امرأته » ، و «حبل » فاعلاً به ، وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة ، و«حَبْلٌ » مرفوع به أيضاً ، وأن يكون خبراً مقدماً ، و«حَبْلٌ » مبتدأ مؤخر ، والجملة حالية ، أو خبر ثان .

والجيدُ : العُنُق .

قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

5348- وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ *** إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ{[61089]}

و«مِنْ مسدٍ » صفة ل «حبل » ، والمسد : ليف المقل .

وقيل : الليف مطلقاً .

قال النابغة : [ البسيط ]

5349- مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا *** لَهُ صَريفٌ صَريفَ القََعْوِ بالمسَدِ{[61090]}

وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]

5350- ومَسَدٍ أمِرَّ مِنْ أيانِقِ *** ليْسَ بأنْيَابٍ ولا حَقَائِقِ{[61091]}

وجمع المسد : أمساد .

وقال أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف .

وقال الحسن : هي حبال من شجرٍ ينبت ب «اليمن » يسمى المسد ، وكانت تفتل .

فصل

قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ، وكانت تعيرُ النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ ، فخنقها الله - عزَّ وجلَّ - به فأهلكها ، وهو في الآخرة حبل من نار{[61092]} يلف على عنقها .

وعن ابن عباس : حبل من مسد ، قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير ، يدخل في فيها ، ويخرج من أسفلها ، ويلوى سائرها على عنقها ، وقال قتادة : «حبل من مسد » حبل من وَدَعٍ .

وقال الحسن : إنما كان حرزاً في عنقها .

وقال سعيد بن المسيب : كانت قلادة واحدة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة .

وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان ، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء ، كالمربوط في جيدها بحبل من مسد .

والمسدُ : الفَتْلُ ، يقال : مسد حبله يمسده مسداً ، أي : أجاد فتلهُ .

قال : [ الرجز ]

5351 *** يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ{[61093]} ***

يقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار .

وقال ابن الخطيب{[61094]} : وقيل : المسد يكون من الحديد ، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ ؛ لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد ، أو من غيره ، ورجل ممسود ، أي : مجدول الخلق ، وجارية حسنة المسد ، والعصب ، والجدل ، والأرم ، وهي ممسودة ، ومعصوبة ، ومجدولة ، ومأرومة ؛ والمساد : على «فِعَال » : لغة في المساب ، وهي نحي السمن ، وسقاء العسل ، قال كل ذلك الجوهري{[61095]} .

[ فإن قيل : إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار ؟

قلنا : كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار ] .

/خ5

ختام السورة:

ذكر الثعلبيُّ عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { تَبَّتْ } رجَوْتُ أنْ لا يجْمعَ اللهُ تَعَالَى بَينهُ وبَيْنَ أبِي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[61089]:تقدم.
[61090]:ينظر ديوانه ص 16، وجمهرة اللغة ص 578، 741، 944، والدرر 3/76، وشرح أبيات سيبويه 1/31، وشرح الأشموني 2/57، والكتاب 1/355، واللسان (صرف)، (قذف)، (بزل)، (قعا)ن (دخس)، وشرح الأشموني 2/57، ومجالس ثعلب ص 340، وهمع الهوامع 1/193.
[61091]:البيتان لعمارة بن طارق، ونسيا إلى عقبة الهجيمي. ينظر اللسان (مسد)، ومجاز القرآن 2/315، والكشاف 4/816، والقرطبي 20/164، ومجمع البيان 10/851، والدر المصون 6/587.
[61092]:ينظر تفسير الماوردي (6/367)، والقرطبي (20/164).
[61093]:ينظر اللسان (مسد) والقرطبي 20/165.
[61094]:ينظر الفخر الرازي 32/159.
[61095]:ينظر: الصحاح 2/538، 539.