تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة ، فقال :{ في جيدها } في عنقها يوم القيامة { حبل من مسد } آية يعني سلسلة من حديد . فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها : إن محمدا قد هجا زوجك ، وهجاك ، وهجا ولدك ، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر ، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقي ذلك عليه فتصغره ، وتذله به لما بلغها عنه ، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا ، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر ، رحمة الله عليه ، كلامها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت ، فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه : رسول الله ، إن أم جميل قد جاءت ، وما أظنها جاءت بخير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم خذ ببصرها" ، أو كما قال .

ثم قال لأبي بكر ، رحمة الله عليه :" دعها تدخل ، فإنها لن تراني" ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، رحمة الله عليه ، جميعا ، فدخلت أم جميل البيت ، فرأت أبا بكر ، رحمة الله عليه ، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانا جميعا في مكان واحد ، فقالت : يا أبا بكر أين صاحبك ؟ فقال : وما أردت منه يا أم جميل ؟ قالت : إنه بلغني أنه هجاني ، وهجا زوجي ، وهجا أولادي ، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه ورأسه أذله بذلك ، فقال لها : والله ما هجاك ، ولا هجا زوجك ، ولا هجا ولدك .

قالت : أحق ما تقول يا أبا بكر ؟ قال : نعم ، فقالت : أما إنك لصادق ، وأنت الصديق ، وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه ، فانصرفت إلى منزلها ، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة ، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح ، فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة ، قال لهم عتبة : إذا رجعتم إلى مكة ، فأخبروا محمدا بأني كفرت ب { النجم إذا هوى } [ النجم :1 ] ، وكانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال :" اللهم سلط عليه كلبك يأكله" ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا سار ليلا ما يكاد ينزل بليل .

فهجر بالليل ، فسار يومه وليلته ، وهم أن لا ينزل حتى يصبح ، فلما كان قبيل الصبح ، قال له أصحابه : هلكت الركاب ، فما زالوا به حتى نزل ، وعرس وإبله ، وهو مذعور ، فأناخ الإبل حوله مثل السرادق ، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق ، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق ، فجاء الأسد ، ومعه ملك يقوده ، فألقى الله عز وجل على الإبل السكينة ، فسكنت .

فجعل الأسد يتخلل الإبل ، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه ، وبقي عظامه وهم لا يشعرون ، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم : قولوا لمحمد : إني كفرت بالنجم إذا هوى ، يعني القرآن إذ نزل ، أنزل فيه : { قتل الإنسان } يعني لعن الإنسان { ما أكفره } [ عبس :17 ] يعني عتبة ، يقول : أي شيء أكفره بالقرآن ، إلى آخر الآيات .

حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : كانت قريش وأم جميل تقول :

مذمما عصينا وأمره أبينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ومن لطف الله أن قريشا تذم مذمما ، وأنا محمد" صلى الله عليه وسلم .