معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

قوله تعالى : { نزل عليك الكتاب } أي القرآن .

قوله تعالى : { بالحق } . بالصدق .

قوله تعالى : { مصدقاً لما بين يديه } . لما قبله من الكتب في التوحيد ، والنبوة ، والأخبار ، وبعض الشرائع .

3

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

1

وعقب هذا الإيضاح الحاسم في مفرق الطريق ، بإعلان الوحدانية المطلقة لذات الله وصفاته ، يجيء الحديث عن وحدانية الجهة التي تتنزل منها الأديان والكتب والرسالات . أي التي يتنزل منها المنهج الذي يصرف حياة البشر في جميع الأجيال :

( نزل عليك الكتاب بالحق - مصدقا لما بين يديه - وأنزل التوراة والإنجيل من قبل - هدى للناس - وأنزل الفرقان . إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد . والله عزيز ذو انتقام ) .

وتتضمن هذه الآية في شطرها الأول جملة حقائق أساسية في التصور الاعتقادي ، وفي الرد كذلك على أهل الكتاب وغيرهم من المنكرين لرسالة محمد [ ص ] وصحة ما جاء به من عند الله .

فهي تقرر وحدة الجهة التي تتنزل منها الكتب على الرسل . فالله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، هو الذي إنزل هذا القرآن - عليك - كما أنه أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبل . وإذن فلا اختلاط ولا امتزاج بين الألوهية والعبودية . إنما هناك إله واحد ينزل الكتب على المختارين من عباده . وهناك عبيد يتلقون . وهم عبيد لله ولو كانوا أنبياء مرسلين .

وهي تقرر وحدة الدين ووحدة الحق الذي تتضمنه الكتب المنزلة من عند الله . فهذا الكتاب نزله - عليك -( بالحق ) . . ( مصدقا لما بين يديه ) . . من التوراة والإنجيل . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

وقوله : { نزل عليك الكتاب } خبر عن اسم الجلالة . والخبر هنا مستعمل في الامتنان ، أو هو تعريض ونكايةَ بأهل الكتاب : الذين أنكروا ذلك . وجيء بالمسند فعلاً لإفادة تقوية الخبر ، أو للدلالة مع ذلك على الاختصاص : أي الله لا غيره نزّل عليك الكتاب إبطالاً لقول المشركين : إنّ القرآن من كلام الشيطان ، أو من طرائق الكهانة ، أو يُعلِّمه بَشَرٌ .

والتضعيف في { نَزّل } للتعدية فهو يساوي الهمز في أنزل ، وإنّما التضعيف يؤذن بقوة الفعل في كيفيته أو كمّيته ، في الفعل المتعدّي بغير التضعيف ، من أجل أنّهم قد أتوا ببعض الأفعال المتعدّية ، للدلالة على ذلك ، كقولهم : فَسَر وفسَّر ، وفَرَق وفرّق ، وكَسَر وكسّر ، كما أتوا بأفعال قاصرة بصيغة المضاعفة ، دون تعدية للدلالة على قوة الفعل ، كما قالوا : مَاتَ ومَوّت وصَاح وصَيّح . فأما إذا صار التضعيف للتعدية فلا أوقن بأنّه يدلّ على تقوية الفعل ، إلاّ أن يقال : إنّ العدول عن التعدية بالهمز ، إلى التعدية بالتضعيف ، لقصد ما عُهد في التضعيف من تَقوية معنى الفعل ، فيكون قوله : { نزل عليك الكتاب } أهمّ من قوله : { وأنزل التوراة } للدلالة على عظم شأن نزول القرآن . وقد بيّنت ذلك مستوفى في المقدّمة الأولى من هذا التفسير ، ووقع في « الكشاف » ، هنا وفي مواضع متعدّدة ، أن قال : إن نزّل يدل على التنجيم وإنّ أنزل يدل على أنّ الكتابين أنزلا جملةً واحدة وهذا لا علاقة له بمعنى التقوية المُدّعَى للفعل المضاعف ، إلاّ أن يعني أنّ نزّل مستعمل في لازم التكثير ، وهو التوزيع وردّه أبو حيان بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لَوْلاَ نُزِّل عليه القرآن جُملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] فجمع بين التضعيف وقوله : { جملة واحدة } . وأزيدُ أنّ التوراة والإنجيل نزلا مفرّقَين كشأن كلّ ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة ، وهو الحق : إذ لا يعرف أنّ كتاباً نزل على رسول دفعة واحدة .

والكتاب : القرآن . والباء في قوله : { بالحق } للملابسة ، ومعنى ملابسته للحق اشتماله عليه في جميع ما يشتمل عليه من المعاني قال تعالى : { وبالحق أنزلناه وبالحق نَزل } [ الإسراء : 105 ] .

ومعنى { مصدقاً لما بين يديه } أنّه مصدق للكتب السابقة له ، وجعل السابق بين يديه : لأنّه يجيء قبله ، فكأنّه يمشي أمامه .

والتوراة اسم للكتاب المنزّل على موسى عليه السلام ، وهو اسم عبراني أصله طوْراً بمعنى الهدي ، والظاهر أنّه اسم للألواح التي فيها الكلمات العشر التي نزلت على موسى عليه السلام في جبل الطور ؛ لأنّها أصل الشريعة التي جاءت في كتب موسى ، فأطق ذلك الاسم على جميع كتب موسى ، واليهود يقولون ( سِفر طوراً ) فلمّا دخل هذا الاسم إلى العربية أدخلوا عليه لام التعريف التي تدخل على الأوصَافِ والنكرات لتصير أعلاماً بالغَلَبة : مثل العَقَبة ، ومن أهل اللغة والتفسير من حاولوا توجيهاً لاشتقاقه اشتقاقاً عربياً ، فقالوا : إنّه مشتق من الوَرْي وهو الوقد ، بوزن تَفعَلة أو فَوْعَلَة ، وربّما أقدمهم على ذلك أمران : أحدهما دخول التعريف عليه ، وهو لا يدخل على الأسماء العجمية ، وأجيب بأن لا مانع من دخولها على المعرّب كما قالوا : الاسكندرية ، وهذا جواب غير صحيح ؛ لأنّ الإسكندرية وزن عربي ؛ إذ هو نسب إلى إسكندر ، فالوجه في الجواب أنّه إنّما ألزم التعريف لأنّه معرّب عن اسم بمعنى الوصف اسمٍ علم فلمّا عربوه ألزموه اللام لذلك .

الثاني أنّها كتبت في المصحف بالياء ، وهذا لم يذكروه في توجيه كونه عربياً ، وسبب كتابته كذلك الإشارة إلى لغةِ إمالته .

وأما الإنجيل فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه .

وهو اسم معرّب قيل من الرومية وأصله ( إثَانْجَيْلِيُوم ) أي الخبر الطيّب ، فمدلوله مدلول اسم الجنس ، ولذلك أدخلوا عليه كلمة التعريف في اللغة الرومية ، فلمّا عرّبه العرب أدخلوا عليه حرف التعريف ، وذكر القرطبي عن الثعلبي أنّ الإنجيل في السريانية وهي الآرامية ( أنكليون ) ولعلّ الثعلبي اشتبه عليه الرومية بالسريانية ، لأنّ هذه الكلمة ليست سريانية وإنّما لما نطق بها نصارى العراق ظنّها سريانية ، أو لعلّ في العبارة تحريفاً وصوابها اليونانية وهو في اليونانية ( أووَانَيْلِيُون ) أي اللفظ الفصيح . وقد حاول بعض أهل اللغة والتفسير جعله مشتقاً من النجل وهو الماء الذي يخرج من الأرض ، وذلك تعسّف أيضاً . وهمزة الإنجيل مكسورة في الأشهر ليجري على وزن الأسماء العربية ؛ لأنّ إفعيلاً موجود بقلة مثل إبْزِيمٍ ، وربّما نطق به بفتح الهمزة ، وذلك لا نظير له في العربية .