وأما الثاني فقوله { نزل عليك الكتاب بالحق } كالدعوى . وقوله { وأنزل التوراة والإنجيل من قبل } كالدليل عليها . وتقريره أنكم وافقتمونا على أن التوراة والإنجيل كتابان إلهيان لأنه تعالى قرن بإنزالهما المعجزة الدالة على الفرق بين قولهما وبين أقوال الكاذبين . ثم إن المعجز قائم في كون القرآن نازلاً من عند الله كما قام في الكتابين . وإذا كان الطريق مشتركاً فالواجب تصديق الكل كالمسلمين . أما قبول البعض ورد البعض فجهل وتقليد ، وإذا لم يبق بعد ذلك عذر لمن ينازعه في دينه فلا جرم ختم بالتهديد والوعيد فقال { إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد } وإنما خص القرآن بالتنزيل والكتابين بالإنزال لأنه نزل منجماً ، فكان معنى التكثير حاصلاً فيه ، وأنهما نزلا جملة . وأما قوله { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب }[ الكهف : 1 ] فالمراد هناك نزوله مطلقاً من غير اعتبار التنجيم . قال أبو مسلم : قوله { بالحق } أنه صدق فيما تضمنه من الأخبار عن الأمم ، أو أن ما فيه من الوعد والوعيد يحمل المكلف على ملازمة الطريق الحق في العقائد والأعمال ويمنعه عن سلوك الطريق الباطل ، وأنه قول فصل وليس بالهزل . وقال الأصم : أي بالحق الذي يجب له على خلقه من العبودية ، ولبعضهم على بعض من سلوك سبيل العدالة والإنصاف في المعاملات . وقيل : مصوناً من المعاني الفاسدة المتناقضة كقوله { ولم يجعل له عوجاً قيماً }[ الكهف : 1 ، 2 ]{ لوجدوا فيه اختلافا كثيراً }[ النساء : 82 ] وفي قوله { مصدقاً لما بين يديه } إنه لو كان من عند غير الله لم يكن موافقاً لسائر الكتب المتقدمة ، لأن من هو على مثل حاله من كونه أمياً لم يخالط أهل الدرس والقراءة إن كان مفترياً استحال أن يسلم من التحريف والجزاف . وفيه أنه تعالى لم يبعث نبياً قط إلا بالدعاء إلى توحيده وتنزيهه عما لا يليق به ، والأمر بالعدل والإحسان وبالشرائع التي هي صلاح كل زمان . فإن قيل : كيف سمي ما مضى بأنه بين يديه ؟ فالجواب أن هذا اللفظ صار مطلقاً في معنى التقدم ، أو لغاية ظهور تلك الأخبار جعلها كالحاضر عنده . فإن قلت : كيف يكون مصدقاً لما تقدمه من الكتب مع أنه ناسخ لأحكامها أكثرها ؟ قلنا : إذا كانت الكتب مبشرة بالقرآن وبالرسول ودالة على أن أحكامها تثبت إلى حين بعثته ثم تصير منسوخة عند نزول القرآن ، كانت موافقة للقرآن ، وكان القرآن مصدقاً لها . فأما فيما عدا الأحكام فلا شبهة في أن القرآن مصدق لها لأن المباحث الإلهية والقصص والمواعظ لا تختلف . والتوراة والإنجيل اسمان أعجميان أحدهما بالعبرية والآخر بالسريانية . فالاشتغال باشتقاقهما لا يفيد إلا أن بعض الأدباء قد تكلف ذلك فقال الفراء : التوراة معناها الضياء والنور من ورى الزند يرى إذا قدح وظهرت النار . قال : وأصلها تورية بفتح التاء والراء ولهذا قلبت الياء ألفاً . أو تورية بكسر الراء " تفعلة " مثل " توفية " إلا أن الراء فتحت على لغة طي فإنهم يقولون في بادية " باداة " . وزعم الخليل والبصريون أن أصلها " وورية " " فوعلة " كصومعة فقلبت الواو الأولى تاء كتجاه وتراث . وأما الإنجيل فالزجاج : إفعيل من النجل الأصل أي هو الأصل المرجوع إليه في ذلك الدين . وقيل : من نجلت الشيء استخرجته أي إنه تعالى أظهر الحق بسببه . أبو عمرو الشيباني : التناجل التنازع سمي بذلك لأن القوم تنازعوا فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.