معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

قوله عز وجل :{ يعملون له ما يشاء من محاريب } أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصه لهم ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثنى عشر ربضاً ، وأنزل كل ربض منها سبطاً من الأسباط ، وكانوا اثنى عشر سبطاً ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقاً فرقاً يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقاً يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عز وجل ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحاً وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين الميها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عز وجل ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيداً . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكماً يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك " . قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصوناً كثيرة عجيبة من الصخر . قوله عز وجل : { وتماثيل } أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صوراً من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله . { وجفان } أي : قصاع واحدتها جفنة ، { كالجواب } كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يعقد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها { وقدور راسيات } ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يقلعن ، وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم ، وكانت باليمن . { اعملوا آل داود شكرا } أي : وقلنا اعملوا آل داود شكراً ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمه . { وقليل من عبادي الشكور } أي : العامل بطاعتي شكراً لنعمتي . قيل : المراد من آل داود هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته . وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

10

( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ) . .

والمحاريب من أماكن العبادة ، والتماثيل الصور من نحاس وخشب وغيره . والجوابي جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء . وقد كانت الجن تصنع لسليمان جفاناً كبيرة للطعام تشبه الجوابي ، وتصنع له قدوراً ضخمة للطبخ راسية لضخامتها . . وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله . وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها إلا بأنها خارقة من صنع الله . وهذا هو تفسيرها الواضح الوحيد .

ويختم هذا بتوجيه الخطاب إلى آل داود :

( اعملوا آل داود شكراً ) . .

سخرنا لكم هذا وذلك في شخص داود وشخص سليمان - عليهما السلام - فاعملوا يا آل داود شكراً لله . لا للتباهي والتعالي بما سخره الله . والعمل الصالح شكر لله كبير .

( وقليل من عبادي الشكور ) . .

تعقيب تقريري وتوجيهي من تعقيبات القرآن على القصص . يكشف من جانب عن عظمة فضل الله ونعمته حتى ليقل القادرون على شكرها . ويكشف من جانب آخر عن تقصير البشر في شكر نعمة الله وفضله . وهم مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفاء . فكيف إذا قصروا وغفلوا عن الشكر من الأساس ? !

وماذا يملك المخلوق الإنساني المحدود الطاقة من الشكر على آلاء الله وهي غير محدودة ? . . وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . . وهذه النعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه ، وعن أيمانه وعن شمائله ، وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه . وهو ذاته إحدى هذه الآلاء الضخام !

كنا نجلس جماعة نتحدث وتتجاوب أفكارنا وتتجاذب ، وتنطلق ألسنتنا بكل ما يخطر لنا على بال . ذلك حينما جاء قطنا الصغير " سوسو " يدور هنا وهناك من حولنا ، يبحث عن شيء ؛ وكأنما يريد أن يطلب إلينا شيئاً ، ولكنه لا يملك أن يقول ؛ ولا نملك نحن أن ندرك . حتى ألهمنا الله أنه يطلب الماء وكان هذا . وكان في شدة العطش . وهو لا يملك أن يقول ولا أن يشير . . وأدركنا في هذه اللحظة شيئاً من نعمة الله علينا بالنطق واللسان ، والإدراك والتدبير . وفاضت نفوسنا بالشكر لحظة . . وأين الشكر من ذلك الفيض الجزيل .

وكنا فترة طويلة محرومين من رؤية الشمس . وكان شعاع منها لا يتجاوز حجمه حجم القرش ينفذ إلينا أحياناً . وإن أحدنا ليقف أمام هذا الشعاع يمرره على وجهه ويديه وصدره وظهره وبطنه وقدميه ما استطاع . ثم يخلي مكانه لأخيه ينال من هذه النعمة ما نال ! ولست أنسى أول يوم بعد ذلك وجدنا فيه الشمس . لست أنسى الفرحة الغامرة والنشوة الظاهرة على وجه أحدنا ، وفي جوارحه كلها ، وهو يقول في نغمة عميقة مديدة . . الله ! هذه هي الشمس . شمس ربنا وما تزال تطلع . . الحمد لله !

فكم نبعثر في كل يوم من هذه الأشعة المحيية ، ونحن نستحم في الضوء والدفء . ونسبح ونغرق في نعمة الله ? وكم نشكر هذا الفيض الغامر المتاح المباح من غير ثمن ولا كد ولا معاناة ? !

وحين نمضي نستعرض آلاء الله على هذا النحو فإننا ننفق العمر كله ، ونبذل الجهد كله ، ولا نبلغ من هذا شيئاً . فنكتفي إذن بهذه الإشارة الموحية ، على طريقة القرآن في الإشارة والإيماء ، ليتدبرها كل قلب ، ويمضي على إثرها ، قدر ما يوفقه الله لنعمة الشكر ، وهي إحدى آلاء الله ، يوفق إليها من يستحقها بالتوجه والتجرد والإخلاص . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

وقوله : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } : أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .

وقال مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور . وقال الضحاك : هي المساجد . وقال قتادة : هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد : هي المساكن . وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي : التماثيل : الصور . قال مجاهد : وكانت من نحاس . وقال قتادة : من طين وزجاج .

وقوله : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } الجواب : جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس :

تَرُوحُ عَلَى آل المَحَلَّق جَفْنَةٌ *** كَجَابِيَة الشَّيخ العِراقي تَفْهَق{[24187]} {[24188]}

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كَالْجَوَابِ } أي : كالجوبة من الأرض .

وقال العوفي ، عنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .

والقدور الراسيات : أي الثابتات ، في أماكنها{[24189]} لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .

وقال عكرمة : أثافيها منها .

وقوله : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } أي : وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .

وشكرًا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال :

أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي{[24190]} ثَلاثةً : *** يدِي ، ولَسَاني ، وَالضَّمير المُحَجَّبَا

قال أبو عبد الرحمن الحُبلي{[24191]} : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه ابن جرير .

وروى هو وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القُرَظي قال : الشكر تقوى الله والعمل الصالح .

وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .

قال{[24192]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر - يعني : ابن سليمان - عن ثابت البُنَاني قال : كان داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم{[24193]} ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يَفر إذا لاقى » . {[24194]}

وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سُنيْد بن داود ، حدثنا يوسف بن محمد بن المُنْكَدِر ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالت أمّ سليمان بن داود لسليمان : يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة » . {[24195]}

وروى ابن أبي حاتم عن داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضًا :

حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا أبو يزيد{[24196]} فيض بن إسحاق الرقي{[24197]} قال : قال فضيل في قوله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } . فقال داود : يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآن شكرتني حين علمت{[24198]} أن النعمة{[24199]} مني " .

وقوله : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } إخبار عن الواقع .


[24187]:- في ت: "بقهق".
[24188]:- البيت في تفسير الطبرى (22/49).
[24189]:- في ت ، س ، أ: "أماكنهم".
[24190]:- في ت: "عندى".
[24191]:- في هـ ، ت ، س ، أ: "السلمى" والتصويت من الطبري 22/50 ، مستفادا من طبعة الشعب.
[24192]:- في ت: "روى".
[24193]:- في ت: "لا يأتي عليهن" ، وفي أ: "لا يأتي عليهم".
[24194]:- صحيح البخاري برقم (1131) وصحيح مسلم برقم (1159).
[24195]:- سنن ابن ماجه برقم (1332) وقال البوصيري في الزوائد (1/433): "هذا إسناد ضعيف".
[24196]:- في هـ: "زيد" والمثبت من ت ، س ، أ ، والجرح والتعديل 3/2/88 مستفادا من طبعة الشعب.
[24197]:- في أ: "المرى".
[24198]:- في ت ، س: "قلت".
[24199]:- في أ: "النعم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

{ يعملون له ما يشاء من محاريب } قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها . { وتماثيل } وصورا هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد . روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . { وجفان } وصحاف . { كالجواب } كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة . { وقدور راسبات } ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها . { اعملوا آل داود شكرا } حكاية عما قيل لهم { وشكرا } نصب على العلة أي : اعلموا له واعبدوه شكرا ، أو المصدر لأن العمل له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به . { وقليل من عبادي الشكور } المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه ، لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهايته ، ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

«المحاريب » الأبنية العالية الشريفة ، قال قتادة القصور والمساجد ، وقال ابن زيد المساكن ، والمحراب أشرف موضع في البيت ، والمحراب موضع العبادة أشرف ما يكون منه ، وغلب عرف الاستعمال في موضع وقوف الإمام لشرفه ومن هذه اللفظة قول عدي بن زيد : [ الخفيف ]

كدمى العاج في المحاريب أو كال . . . بيض في الروض زهره مستنير{[9614]}

«والتماثيل » قيل كانت من زجاج ونحاس ، تماثيل أشياء ليست بحيوان ، وقال الضحاك كانت تماثيل حيوان ، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع .

قال القاضي أبو محمد : ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قوم : حرم التصوير لأن الصور كانت تعبد ، وحكى مكي في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية وذلك خطأ ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه ، و «الجوابي » جمع جابية وهي البركة التي يجبى إليها الماء الذي يجمع قال الراجز : [ الرجز ]

فصحبت جابية صهارجا . . . كأنه جلد السماء خارجا{[9615]}

وقال مجاهد : «الجوابي » جمع جوبة{[9616]} وهي الحفرة العظيمة في الأرض .

قال الفقيه الإمام القاضي : ومنه قول الأعشى : [ الطويل ]

نفى الذم عن آل المحلق جفنة . . . كجابية الشيخ العراقيّ تفهق{[9617]}

وأنشده الطبري : تروح على آل المحلق ، ويروى السيح بالسين غير نقط ، وبالحاء غير نقط أيضاً ، وهو الماء الجاري على وجه الأرض ، ويروى الشين والخاء منقوطين ، فيقال أراد كسرى ويقال أراد شيخاً من فلاحي سواد العراق غير معين وذلك أنه لضعفه يدخر الماء في جابيته ، فهي تفهق أبداً فشبهت الجفنة بها لعظمها ، قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد «الجوابي » الحياض ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «كالجواب » بغير ياء في الوصل والوقف ، وقرأ أبو عمرو وعيسى بغير ياء في الوقف وياء في الوصل ، وقرأ ابن كثير بياء فيهما ، ووجه حذف الياء التخفيف والإيجاز ، وهذا كحذفهم ذلك من القاض والغاز والهاد ، وأيضاً فلما كانت الألف واللام تعاقب التنوين وكانت الياء تحذف مع التنوين وجب أن تحذف مع ما عاقبه كما يعملون للشيء أبداً عمل نقيضه ، و { راسيات } معناه ثابتات لكبرها ليست مما ينقل ولا يحمل . ولا يستطيع على عمله إلا الجن وبالثبوت فسرها الناس ، ثم أمروا مع هذه النعم بأن يعملوا بالطاعات ، وقوله تعالى : { شكراً } يحتمل أن يكون نصبه على الحال ، أي اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم ، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول ، أي اعملوا عملاً هو الشكر كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده ، وفي الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال :

«ثلاث من أوتيهن فقد أوتي العمل شكراً العدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية »{[9618]} ، وروي أن داود عليه السلام قال يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك ، فقال : يا داود الآن عرفتني حق معرفتي ، وقال ثابت{[9619]} : روي أن مصلى داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلاً ونهاراً كانوا يتناوبونه دائماً ، وكان سليمان عليه السلام فيما روي يأكل خبز الشعير وطعم أهله الخشكار{[9620]} ويطعم المساكين الدرمك{[9621]} ، وروي أنه ما شبع قط فقيل له في ذلك فقال : أخاف أن أنسى الجياع ، وقوله تعالى : { وقليل من عبادي الشكور } يحتمل أن تكون مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن تكون مخاطبة لآل محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى كل وجه ففيها تنبيه وتحريض ، وسع عمر بن الخطاب رجلاً يقول : اللهم اجعلني من القليل ، فقال له عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : أردت قوله عز وجل : { وقليل من عبادي الشكور } ، فقال عمر رحمه الله : كل الناس أعلم من عمر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وقد قال تعالى { وقليل ما هم }{[9622]} [ ص : 24 ] ، والقلة أيضاً بمعنى الخمور منحة من الله تبارك وتعالى{[9623]} ، فلهذا الدعاء محاسن .


[9614]:هذا ابيت من قصيدة قالها عدي وهو في السجن، وتحدث فيها عن صروف الدهر، لكنه استهلها بوصف السحاب وما فيه من رعد وبرق ومطر، وشبه الغيوم البيض بالدمى العاجية، أو بالحسان اللواتي يرتدين الشفوف والحرير، ويتضمخن بطيب الحياة الناعمة. وإذا كان وصف المطر والغيوم من الصور التقليدية في الشعر العربي إلا أن الشاعر قد غير في بيئة التشبيه، وظهرت عنده معالم جديدة للحضارة، وكثرت فيها الحلي والأصباغ، وهذا يكشف عن رؤية جديدة للشاعر تتمثل فيها الأشياء، والشاهد هنا أن المحاريب استعملت بمعنى المعابد.
[9615]:البيتان من مشطور الرجز، وهما غير منسوبان، والبيت الأول في (اللسان-صهرج)، استشهد به على أن(صهرج) بمعنى(طلا)، قال:"وصهرج الحوض: طلاه، وحوض صهارج: مطلي بالصاروج، والصهارج-بالضم- مثل الصهريج، وأنشد الأزهري: "فصبحت جابية صهارجا"، يقول: إن الجابية مطلية بالصاروج، أو تشبه المطلية به، وفي البيت الثاني يشبه لونها بلون السماء في الزرقة. والشاهد هنا أن الجابية هي الحوض الكبير الذي يجمع فيه الماء.
[9616]:في اللسان:(قال ابن الأنباري:"هو جمع جبية"، وقال: والجِبوة والجُبوة والجِبى والجَبا والجَباوة: ما جمعت من الماء في الحوض).
[9617]:رواية الديوان كرواية ابن عطية هنا، ورواية اللسان مثل رواية الطبري التي أشار إليها ابن عطية، والبيت من قصيدة للأعشى يمدح فيها المحلق بن خيثم بن شداد بن ربيعة، والجفنة: القصعة الكبيرة، والجابية: الحوض الضخم أو الحفرة العظيمة التي جمع فيها الماء، وتفهق: تفيض، وقد خص الشيخ العراقي لجهله بالمياه لأنه حضري، فإذا وجدها ملأ جابيته وأعدها، ولم يدر متى يجد المياه، وأما البدوي فهو عالم بالمياه فهو لا يبالي ألا يعدها. قال ذلك صاحب اللسان، وذكره أيضا المبرد في كتابه(الكامل)، وعلل الرواية الثانية أيضا وهي بالسين والحاء المهملتين، قال أبو العباس: وسمعت أعرابية تنشد(وهي رواية أهل الكوفة، والأعرابية هي أم الهيثم الكلابية من ولد المحلق):"كجابية السيح" تريد النهر الذي يجري على جابيته، فماؤها لا ينقطع؛ لأن النهر يمده.
[9618]:أخرجه الحاكم عن أبي هريرة(الجامع الصغير).
[9619]:هو ثابت بن أسلم البناني-بضم الباء وتخفيف النونين- أبو محمد البصري، ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين وله ست وثمانون.(تقريب التهذيب).
[9620]:الخشكار: الخبز الأسمر غير النقي،(فارسي). عن المعجم الوسيط.
[9621]:الدرمك: دقيق الحوارى، وهو الدقيق الأبيض.
[9622]:من الآية(24) ن سورة (ص).
[9623]:لعله يريد البعد عن الكبرياء والاغترار بالمظاهر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

{ يعملون له ما يشاء } جملة مبينة لجملة { يعمل بين يديه } [ سبأ : 12 ] .

و { من محاريب } بيان ل { ما يشاء } .

والمحاريب : جمع محراب ، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة ، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب ، ثم أطلق على القصر الحصين . وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ . وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية . ثم أطلق المحراب على الذي يُخْتَلَى فيه للعبادة فهو بمنزلة المسجد الخاص ، قال تعالى : { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } وتقدم في سورة آل عمران ( 39 ) . وكان لداود محراب يجلس فيه للعبادة قال تعالى : { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب } في سورة ص ( 21 ) .

وأما إطلاق المحراب على الموضع من المسجد الذي يقف فيه الإِمامُ الذي يؤمّ الناس ، يُجعل مثل كوة غير نافذة واصلة إلى أرض المسجد في حائط القبلة يقف الإِمام تحته ، فتسمية ذلك محراباً تسمية حديثة ولم أقف على تعيين الزمن الذي ابتدىء فيه إطلاق اسم المحراب على هذا الموقف . واتخاذ المحاريب في المساجد حدث في المائة الثانية ، والمظنون أنه حدث في أولها في حياة أنس بن مالك لأنه روي عنه أنه تنزه عن الجلوس في المحاريب وكانوا يسمونه الطاقَ أو الطاقَة ، وربما سموه المذبح ، ولم أر أنهم سموه أيامئذ محراباً ، وإنما كانوا يسمون بالمحراب موضع ذبح القربان في الكنيسة ، قال عُمر بن أبي ربيعة :

دُمية عند راهب قسيس *** صوَروها في مذابح المحراب

والمذبح والمحراب مقتبسة من اليهود لما لا يخفى من تفرع النصرانية عن دين اليهودية .

وما حكي عن أنس بن مالك إن صحّ فإنما يُعنى به بيت للصلاة خاص . ورأيت إطلاق المحراب على الطاقة التي في المسجد في كلام الفَراء ، أي في منتصف القرن الثاني ، نقل الجوهري عنه أنه قال : المحاريب صدور المجالس ومنه سمي محرابُ المسجد ، لأن المحراب لم يبق حينئذٍ مطلقاً على مكان العبادة .

ومن الغلط أن جعلوا في المسجد النبوي في الموضع الذي يقرَّب أن يكون النبي يصلي فيه صورَة محراب منفصل يسمونه محراب النبي وإنما هو علامة على تحري موقفه .

والذي يظهر أن المسلمين ابتدأوا فجعلوا طاقات صغيرة علامة على القبلة لئلا يضل الداخل إلى المسجد يريد الصلاة فإن ذلك يقع كثيراً ، ثم وسعوها شيئاً فشيئاً حتى صيروها في صورة نصف دهليز صغير في جدار القبلة يسع موقف الإِمام ، وأحسب أن أول وضعه كان عند بناء المسجد الأموي في دمشق ، ثم إن الخليفة الوليد بن عبد الملك أمر بجعله في المسجد النبوي حين وسّعه وأعاد بناءه ، وذلك في مدة إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة حسبما ذكر السمهودي في كتاب « خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى » .

والتماثيل : جمع تِمثال بكسر التاء ، ووزنه تِفعال لأن التاء مزيدة وهو أحد أسماء معدودة جاءت على وزن تِفعال بكسر التاء ، وأما قياس هذا الباب وأكثرُه فهو بفتح التاء . والأسماء التي جاءت على هذا الوزن منها مصادر ومنها أسماء ، فأما المصادر فأكثرها بفتح التاء إلا مصدرين : تبيان ، وتلقاء بمعنى اللقاء . وأما الأسماء فورد منها على الكسر نحو من أربعة عشر اسماً منها : تِمثال ، أحصاها ابن دريد ، وزاد ابن العربي في « أحكام القرآن » عن شيخه الخطيب التبريزي تسعة فصارت خمسة وعشرين . والتمثال هو الصورة الممثلة ، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام فكان النحاتون يعملون لسليمان صوراً مختلفة كصور موهومة للملائكة وللحيوان مثل الأسود ، فقد كان كرسي سليمان محفوفاً بتماثيل أُسود أربعة عشر كما وصف في الإِصحاح العاشر من سفر الملوك الأول . وكان قد جَعل في الهيكل جابية عظيمة من نحاس مصقول مرفوعة على اثنتي عشرة صورة ثور من نحاس .

ولم تكن التماثيل المجسمة محرَّمَة الاستعمال في الشرائع السابقة ، وقد حرمها الإِسلام لأن الإِسلام أمعن في قطع دَابر الإِشراك لشدة تمكن الإِشراك من نفوس العرب وغيرهم . وكان معظم الأصنام تماثيل فحرّم الإِسلام اتخاذها لذلك ، ولم يكن تحريمها لأجل اشتمالها على مفسدة في ذاتها ولكن لكونها كانت ذريعة للإِشراك . واتفق الفقهاء على تحريم اتخاذ ما له ظلّ من تماثيل ذوات الروح إذا كانت مستكملة الأعضاء التي لا يعيش ذو الروح بدونها وعلى كراهة ما عدا ذلك مثل التماثيل المنصفة ومثل الصور التي على الجدران وعلى الأوراق والرقم في الثوب ولا ما يجلس عليه ويداس . وحكم صنعها يتبع اتخاذها . ووقعت الرخصة في اتخاذ صور تلعب بها البنات لفائدة اعتيادهن العمل بأمور البيت .

والجفان : جمع جفنة ، وهي القصعة العظيمة التي يجفن فيها الماء . وقدرت الجفنة في التوراة بأنها تسع أربعين بَثَّا ( بالمثلثة ) ولم نعرف مقدار البث عندهم ولا شك أنه مكيال . وشبهت الجفان في عظمتها وسعتها بالجوابي . وهي جمع : جابية وهي الحوض العظيم الواسع العميق الذي يجمع فيه الماء لسقي الأشجار والزروع ، قال الأعشى :

نفي الذم عن رهط المحلَّق جفنة *** كجابية الشيخ العراقي تَفْهَق

أي الجفنة في سعتها كجابية الرجل العراقي ، وأهل العراق أهل كروم وغروس فكانوا يجمعون الماء للسقي .

وكانت الجفان المذكورة في الهيكل المعروف عندنا بيت المقدس لأجل وضع الماء ليغلسوا فيها ما يقربونه من المحرَقات كما في الإِصحاح الرابع من سفر الأيام الثاني .

وكتب في المصحف { كالجواب } بدون ياء بعد الموحدة . وقرأه الجمهور بدون ياء في حالي الوصل والوقف . وقرأه ابن كثير بإثبات الياء في الحالين . وقرأ ورش عن نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في حال الوصل وبحذفها في حال الوقف .

والقدور : جمع قِدر وهي إناء يوضع فيه الطعام ليطبخ من لحم وزيت وأدهان وتوابل .

قال النابغة في النعمان بن الحارث الجُلاحي :

له بِفناء البيت سوداء فخمة *** تلقَّم أوصال الجَزور العُراعر

بقية قِدر من قُدور تُورثـت *** لآل الجـلاح كابراً بعد كابر

أي تَسَع قوائم البعير إذا وضعت فيه لتطبخ مَرقاً ونحوه .

وهذه القدور هي التي يطبخ فيها لجند سليمان ولسدنة الهيكل ولخدمه وأتباعه وقد ورد ذكر القدور إجمالاً في الفقرة السادسة عشرة من الإصحاح الرابع من سفر الأيام الثاني .

والراسيات : الثابتات في الأرض التي لا تُنزل من فوق أثافيها لتداول الطبخ فيها صباحَ مساءَ .

وجملة { اعملوا آل داود شكراً } مقول قول محذوف ، أي قلنا : اعملوا يا آل داود ، ومفعول { اعملوا } محذوف دل عليه قوله : { شكراً } . وتقديره : اعملوا صالحاً ، كما تقدم آنفاً ، عملاً لشكر الله تعالى ، فانتصب { شكراً } على المفعول لأجله . والخطاب لسليمان وآله .

وذُيل بقوله : { وقليل من عبادي الشكور } فهو من تمام المقول ، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح . ويجوز أن يكون هذا التذييل كلاماً جديداً جاء في القرآن ، أي قلنا ذلك لآل داود فعَمل منهم قليل ولم يعمل كثير وكان سليمان من أول الفئة القليلة .

و { الشكور } : الكثيرُ الشكر . وإذْ كان العمل شكراً أفاد أن العاملين قليل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يعملون له ما يشاء} يعني الجن لسليمان {من محاريب} المساجد {وتماثيل} من نحاس ورخام...

{وجفان كالجواب} وقصاع في العظم كحياض الإبل... من العظم...

{وقدور} عظام لها قوائم لا تتحرك.

{راسيات} ثابتات...

{اعملوا آل داود شكرا} بما أعطيتهم من الخير.

{وقليل من عبادي الشكور}.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

مكي: قال ابن القاسم: قال مالك: {وجفان كالجواب} كالجوبة من الأرض. {وقدور راسيات} ابن رشد: سئل مالك عن تفسير {وقدور راسيات} قال: لا تحمل ولا تحرك بدليل قوله: {والجبال أرساها}، قال مالك: يريد أثبتها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره: يعمل الجنّ لسليمان ما يشاء من محاريب، وهي جمع محراب، والمحراب: مقدّم كل مسجد وبيت ومصلّى... عن مجاهد، قوله:"ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ" قال: بنيان دون القصور.

قال ابن زيد، في قوله: "يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ "قال: المحاريب: المساكن... عن الضحاك: "يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ" قال: المحاريب: المساجد.

وقوله: "وتَماثِيلَ" يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج... عن الضحاك في قول الله: "وتَماثِيلَ" قال: الصور.

وقوله: "وَجِفانٍ كالجَوَابِ" يقول: وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب، وهي جمع جابية، والجابية: الحوض الذي يُجْبَي فيه الماء... عن ابن عباس، قوله "وَجِفانٍ كالجَوَابِ" يعني بالجواب: الحياض...

وقوله: "وَقُدُورٍ رَاسِياتٍ" يقول: وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهنّ، ولا تحوّل لعظمهنّ...

وقوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا" يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا له على ما أنعم عليكم من النعم التي خَصّكم بها عن سائر خلقه، مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم بها مع سائر خلقه، وتُرِك ذكر: وقلنا لهم، اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك منه، وأخرج قوله شُكْرا مصدرا من قوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ" لأن معنى قوله "اعْمَلُوا": اشكروا ربكم بطاعتكم إياه، وأن العمل بالذي رضي الله لله شكر... عن محمد بن كعب، قوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا" قال: الشكر: تقوى الله، والعمل بطاعته...

وقوله: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشّكُورُ" يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلصو توحيدي، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يعملون له ما يشاء من محاريب}... والمحاريب هي أشرف المواضع.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ} قليلٌ مَنْ يأخذ النعمة مني ولا يحملها على الأسباب؛ فلا يشكر الوسائطَ ويشكرني، والأكثرون يأخذون النعمة من الله، ويَجِدُون الخيرَ مِنْ قِبَلهِ، ثم يتقلدون المِنَّةَ من غير الله، ويشكرون غيرَ الله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المحاريب: المساكن والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال؛ سميت محاريب لأنه يحامى عليها ويذب عنها.

{شُكْراً} على أنه مفعول له، أي: اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه. وفيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدّى على طريق الشكر، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: اللَّهم اجعلني من القليل، فقال عمر ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: إني سمعت الله يقول: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِي الشكور} فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل، فقال عمر: كل الناس أعلم من عمر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله: {وقليل من عبادي الشكور} إشارة إلى أن الله خفف الأمر على عباده، وذلك لأنه لما قال: {اعملوا آل داوود شكرا} فهم منه أن الشكر واجب، لكن شكر نعمه كما ينبغي لا يمكن؛ لأن الشكر بالتوفيق، وهو نعمة تحتاج إلى شكر آخر وهو بتوفيق آخر، فدائما تكون نعمة الله بعد الشكر خالية عن الشكر،فقال تعالى: إن كنتم لا تقدرون على الشكر التام فليس عليكم في ذلك حرج، فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله:

{عبادي} مع الإضافة إلى نفسه، وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين.

{قليل} يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه، نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} أي: وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى». وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} إخبار عن الواقع.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أخبر تعالى أنه سخر له الجن، ذكر حالهم في أعمالهم، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما ومن فيهما بما يشاء فقال تعالى: {يعملون له} أي في أي وقت شاء {ما يشاء} عمله {من محاريب} أي أبنية شريفة من قصور ومساكن وغيرها هي أهل لأن يحارب عليها أو مساجد، والمحراب مقدم كل مسجد ومجلس وبيت.

ولما ذكر القصور وزينتها، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن فقال: {وجفان} أي صحاف وقصاع يؤكل فيها {كالجواب}.

ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم، ذكر ما يطبخ فيه طعامها فقال: {وقدور راسيات} أي ثابتات ثباتاً عظيماً بأن لا ينزع عن أثافيها لأنها لكبرها كالجبال. ولما ذكر المساكن وما تبعها، أتبعها الأمر بالعمل إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه لا يلهيهم ذلك عن العبادة فقال: {اعملوا} أي وقلنا لهم: تمتعوا واعملوا، دل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال: {آل داود} أي كل ما يقرب إلى الله.

{شكراً} أي لأجل الشكر له سبحانه، وهو تعظيمه في مقابلة نعمه ليزيدكم من فضله أو النصب على الحال أي شاكرين، أو على تقدير: اشكروا شكراً، لأن "اعملوا "فيه معنى "اشكروا" من حيث أن العمل للمنعم شكر له، ويجوز أن تنتصب باعملوا مفعولاً بهم، ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً -على طريق المشاكلة.

{وقليل} أي قلنا ذلك والحال أنه قليل.

ولما لم يقتض الحال العظمة لأنها بالمبالغة في الشكر أليق، اسقط مظهرها فقال: {من عبادي الشكور} أي المتوفر الدواعي بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه على الشكر بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه مطلق الشكر كثير، وأقل ذلك حال الاضطرار.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{اعملوا آل داوود شكرا} أي قيل لهم:... فيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف، كما أن فيه وجوب الشكر، وأنه يكون بالعمل ولا يختص باللسان، لأن حقيقته صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر، ونحو الآية قوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ((ص: 24).

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه، فقلت له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا) أخرجه مسلم في صحيحه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تعقيب تقريري وتوجيهي من تعقيبات القرآن على القصص. يكشف من جانب عن عظمة فضل الله ونعمته حتى ليقل القادرون على شكرها. ويكشف من جانب آخر عن تقصير البشر في شكر نعمة الله وفضله. وهم مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفاء. فكيف إذا قصروا وغفلوا عن الشكر من الأساس! وماذا يملك المخلوق الإنساني المحدود الطاقة من الشكر على آلاء الله وهي غير محدودة؟.. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.. وهذه النعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه، وعن أيمانه وعن شمائله، وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه. وهو ذاته إحدى هذه الآلاء الضخام!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمحاريب: جمع محراب، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب، ثم أطلق على القصر الحصين. وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ. وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية. ثم أطلق المحراب على الذي يُخْتَلَى فيه للعبادة فهو بمنزلة المسجد الخاص، قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} وتقدم في سورة آل عمران (39). وكان لداود محراب يجلس فيه للعبادة قال تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} في سورة ص (21).

وأما إطلاق المحراب على الموضع من المسجد الذي يقف فيه الإِمامُ الذي يؤمّ الناس، يُجعل مثل كوة غير نافذة واصلة إلى أرض المسجد في حائط القبلة يقف الإِمام تحته، فتسمية ذلك محراباً تسمية حديثة ولم أقف على تعيين الزمن الذي ابتدئ فيه إطلاق اسم المحراب على هذا الموقف. واتخاذ المحاريب في المساجد حدث في المائة الثانية، والمظنون أنه حدث في أولها... والتماثيل: جمع تِمثال... والتمثال هو الصورة الممثلة، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام، فكان النحاتون يعملون لسليمان صوراً مختلفة كصور موهومة...

ولم تكن التماثيل المجسمة محرَّمَة الاستعمال في الشرائع السابقة، وقد حرمها الإِسلام، لأن الإِسلام أمعن في قطع دَابر الإِشراك لشدة تمكن الإِشراك من نفوس العرب وغيرهم. وكان معظم الأصنام تماثيل فحرّم الإِسلام اتخاذها لذلك، ولم يكن تحريمها لأجل اشتمالها على مفسدة في ذاتها، ولكن لكونها كانت ذريعة للإِشراك...

والجفان: جمع جفنة، وهي القصعة العظيمة التي يجفن فيها الماء... وشبهت الجفان في عظمتها وسعتها بالجوابي. وهي جمع: جابية وهي الحوض العظيم الواسع العميق الذي يجمع فيه الماء لسقي الأشجار والزروع...

والقدور: جمع قِدر، وهي إناء يوضع فيه الطعام ليطبخ من لحم وزيت وأدهان وتوابل...

والراسيات: الثابتات في الأرض التي لا تُنزل من فوق أثافيها لتداول الطبخ فيها صباحَ مساءَ.

وجملة {اعملوا آل داود شكراً} مقول قول محذوف، أي قلنا: اعملوا يا آل داود، ومفعول {اعملوا} محذوف دل عليه قوله: {شكراً}. وتقديره: اعملوا صالحاً، كما تقدم آنفاً، عملاً لشكر الله تعالى، فانتصب {شكراً} على المفعول لأجله. والخطاب لسليمان وآله.

وذُيل بقوله: {وقليل من عبادي الشكور} فهو من تمام المقول، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح. ويجوز أن يكون هذا التذييل كلاماً جديداً جاء في القرآن، أي قلنا ذلك لآل داود فعَمل منهم قليل ولم يعمل كثير وكان سليمان من أول الفئة القليلة.

و {الشكور}: الكثيرُ الشكر. وإذْ كان العمل شكراً أفاد أن العاملين قليل.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... ومعنى {اعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً..} [سبأ: 13] أى: شُكْراً لله على نعمه، لا لتقوتوا أنفسكم فحسب، إذن: فربُّك يُعلِّمك: لا تعمل على قدر حاجتك فحسب؛ لأن في مجتمعك مَنْ لا يقدر على العمل، فاعمل أنت أيها القادر على قَدْر طاقتك، وخُذْ لنفسك ما يكفيك، وتصدَّق بما فاض عنك لغير القادرين. ومعلوم أن شكر النعمة يقيدها أي يديمها بل ويزيدها، كما قال سبحانه:

{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..} [إبراهيم: 7].

أو: المعنى {اعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً..} [سبأ: 13] أن أقدركم على العمل حتى تعولوا مَنْ لا يقدر على العمل {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] يعني: قليل من الناس مَنْ يقابل نعمة الله بالشكر.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}... ولعل التأكيد على قلّة الشاكرين من عباده، يوحي بأن مسألة الكثرة لا تمثل قيمةً إنسانيّةً في مضمون قرارها وحركتها ومنهجها العملي في الحياة، لأنها ترتبط بالسطح الظاهر للأشياء ولا ترتبط بالعمق، ما يجعلهم بعيدين عن خط الصواب.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وبديهي أنّ (الشكر) الذي أشارت إليه الآية، لو كان مقصوداً به الشكر باللسان لما كانت هناك أدنى مشكلة ولمّا كان العاملون به قليلين، ولكن المقصود هو (الشكر العملي)، أي الاستفادة من تلك المواهب في طريق الأهداف التي خلقت لأجلها. والمسلّم به أنّ الذين يستفيدون من المواهب الإلهية في طريق الأهداف التي خلقت لأجلها هم الندرة النادرة. قال بعض العلماء: إنّ للشكر ثلاثة مراحل: الشكر بالقلب، بتصوّر النعمة والرضى والسرور بها. والشكر باللسان، وبالحمد والثناء على المنعم. الشكر بسائر الأعضاء والجوارح، وذلك بتطبيق الأعمال مع متطلّبات تلك النعمة.

«شكور»: صيغة مبالغة. يعبّر بها عن كثرة الشكر ودوامه بالقلب واللسان والأعضاء والجوارح، وهذه الصفة تطلق أحياناً على الله سبحانه وتعالى، كما ورد في الآية (17) من سورة التغابن: (إنّه شكور حليم)، والمقصود به أنّ الله سبحانه وتعالى، يشمل العباد المطيعين بعطاياه وألطافه ويشكرهم، ويزيدهم من فضله أكثر ممّا يستحقّون.

كذلك يمكن أن يكون التعبير ب (قليل من عبادي الشكور) إشارة إلى تعظيم مقام هذه المجموعة النموذجية، أو بمعنى حثّ المستمع ليكون من أفراد تلك الزمرة ويزيد جمع الشاكرين.