التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

ثم بين - سبحانه - بعض الأشياء التى كان الجن يعملونها لسليمان - عليه السلام - فقال : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } .

المحاريب : جمع محراب . وهو كل مكان مرتفع ، ويطلق على المكان الذى يقف فيه الإِمام فى المسجد ، كما يطلق على الغرفة التى يصعد إليها ، وعلى أشرف أماكن البيوت .

قالوا والمراد بها : اماكن العبادة ، والقصور المرتفعة .

والتماثيل : جمع تمثال وقد يكون من حجر أو خشب أو نحاس أو غير ذلك .

قال القرطبى ما ملخصه : والتماثيل جمع تمثال . وهو كل ما صور على مثل صورة حيوان أو غير حيوان . وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام ، تماثيل أشياء ليست بحيوان .

وذكر أنها صورة الأنبياء والعلماء ، وكانت تصور فى المساجد ليراها الناس . فيزدادوا عبادة واجتهادا .

وهذا يدل على أن ذلك كان مباحا فى زمانهم ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم .

والجِفان : جمع جَفْنَة . وهى الآنية الكبيرة . والجَوَاب : جمع جابية ، وهى لاحوض الكبير الذى يحبى فيه الماء ويجمع لتشرب منه الدواب .

والقدور : جمع قدر . وهو الآنية التى يطبخ فيها الطعام من نحاس أو فخار أو غيرهما .

وراسيات : جمع راسية بمعنى ثابتة لاتتحرك .

أى : أن الجن يعملون لسليمان - عليه السلام - ما يشاء من مساجد وقصور ، ومن صور متنوعة ، ومن قصاع كبار تشبه الأحواض الضخمة ، ومن قدور ثابتات على قواعدها ، بحيث لا تحرك لضخامتها وعظمها .

وقوله - سبحانه - : { اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور } مقول لقول محذوف .

أى : أعطينا سليمان كل هذه النعم ، وقلنا له ولأهله : اعملوا يا آل دواد عملا صالحا ، شكرا لله - تعالى - على فضله وعطائه ، وقليل من عبادى هو الذى يشكرنى شكراخ الصا على نعمى وفضلى وإحسانى .

وقوله { شُكْراً } يجوز أن يكون مفعولا لأجله . أى : اعملوا من أجل الشكر ، أو مصدرا واقعا موقع الحال . أى : اعملوا شاكرين .

و { قَلِيلٌ } خبر مقدم .

و { مِّنْ عِبَادِيَ } صفة له . و { الشكور } مبتدأ مؤخر . وهكذا يختم القرآن هذه النعم بهذا التغيب الذى يكشف عن طبيعة الناس فى كل زمان ومكان ، حتى يحملهم على أن يخالفوا أهواءهم ونفوسهم ، ويكثروا من ذلك الله - تعالى - وشكره .

وحقيقة الشكر : الاعتراف بالنعمة للمنعم ، والثناء عليه لإِنعامه ، واستعمال نعمه - سبحانه - فيما خلقت له .

والانسان الشكور : هو المتوفر على أداء الشكر ، الباذل قصارى جهده فى ذلك ، عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه .