الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

المحاريب : المساكن والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال : سميت محاريب لأنه يحامي عليها ويذب عنها . وقيل : هي المساجد والتماثيل : صور الملائكة والنبيين والصالحين ، كانت تعمل فيه المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم .

فإن قلت : كيف استجاز سليمان عليه السلام عمل التصاوير ؟ قلت : هذا مما يجوز أن تختلف في الشرائع لأنه ليس من مقبحات العقل كالظلم والكذب ، وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرّماً . ويجوز أن يكون غير صور الحيوان كصور الأشجار وغيرها ؛ لأنّ التمثال كل ما صوّر على مثل صورة غيره من حيوان وغير حيوان . أو تصوّر محذوفة الرؤوس . وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ، ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . والجوابي : الحياض الكبار ، قال :

تَرُوحُ عَلَى آل الْمُحَلِّقِ جَفْنَةٌ *** كَجَابِيَةِ السَّيْحِ العِرَاقِيِّ تَفْهَقُ

لأنّ الماء يجبى فيها ، أي : يجمع . جعل الفعل لها مجازاً وهي من الصفات الغالية كالدابة . وقيل : كان يقعد على الجفنة ألف رجل . وقرىء : بحذف الياء اكتفاء بالكسرة . كقوله تعالى : { يَوْمَ يدعالداع } [ القمر : 6 ] . { راسيات } ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها { اعملوا ءَالَ دَاوُودَ } حكاية ما قيل لآل داود . وانتصب { شُكْراً } على أنه مفعول له ، أي : اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه . وفيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدّى على طريق الشكر . أو على الحال ، أي : شاكرين . أو على تقدير اشكروا شكرا ، لأن اعملوا فيه معنى اشكروا ، من حيث إنّ العمل للمنعم شكر له . ويجوز أن ينتصب باعملوا مفعولاً به . ومعناه : إنا سخّرنا لكم الجنّ يعملون لكم ما شئتم ، فاعملوا أنتم شكراً على طريق المشاكلة و { الشكور } المتوفر على أداء الشكر ، الباذل وسعه فيه : قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه ، اعتقاداً واعترافاً وكدحاً ، وأكثر أوقاته . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ من يشكر على أحواله كلها . وعن السدي : من يشكر على الشكر . وقيل : من يرى عجزه عن الشكر . وعن داود أنه جزأ ساعات الليل والنهار على أهله ، فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلاّ وإنسان من آل داود قائم يصلي . وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول : اللَّهم اجعلني من القليل ، فقال عمر ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : إني سمعت الله يقول : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور } فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل ، فقال عمر : كل الناس أعلم من عمر .