الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } قال : من شبه ورخام .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { من محاريب } قال : بنيان دون القصور { وتماثيل } قال : من نحاس { وجِفَان } قال : صحاف { كالجوابِ } قال : الجفنة مثل الجوبة من الأرض { وقدور راسيات } قال : عظام .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في الآية قال { المحاريب } القصور . { والتماثيل } الصور { وجفان كالجوابِي } قال : كالجوبة من الأرض .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { من محاريب } قال : قصور ، ومساجد { وتماثيل } قال : من رخام وشبه { وجفان كالجوابي } كالحياض { وقدور راسيات } قال : ثابتات لا يزلن عن مكانهن كن يُرَيْنَ بأرض اليمن .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وتماثيل } قال : اتخذ سليمان عليه السلام تماثيل من نحاس فقال : يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة ، فنفخ الله فيها الروح ، فكانت تخدمه ، وكان اسفيديار من بقاياهم ، فقيل لداود عليه السلام { اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { من محاريب } قال : المساجد { تماثيل } قال : الصور { وجفان كالجوابِي } قال : كحياض الإِبل العظام { وقدور راسيات } قال : قدور عظام كانوا ينحتونها من الجبال .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وجفان كالجوابِي } قال : كالجوبة من الأرض { وقدور راسيات } قال : أثافيها منها .

وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وجفان كالجواب } قال : كالحياض الواسعة تسع الجفنة الجزور قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم . أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول :

كالجوابي لا هي مترعة *** لقرى الأضياف أو للمحتضر

وقال أيضاً :

يجبر المجروب فينا ماله *** بقباب وجفان وخدم

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { وجفان كالجوابِي } قال : كالحياض { وقدور راسيات } قال : القدور العظام التي لا تحوّل من مكانها .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه { وقدور راسيات } قال : عظام تفرغ إفراغا .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { اعملوا آل داود شكراً } قال : إعملوا شكراً لله على ما أنعم به عليكم .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن شهاب في قوله { اعملوا آل داود شكراً } قال : قولوا الحمد لله .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ثابت البناني رضي الله عنه قال : بلغنا أن داود عليه السلام جزأ الصلاة على بيوته على نسائه وولده ، فلم تكن تأتي ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان قائم من آل داود يصلي ، فعمتهم هذه الآية { اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور } .

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : قال داود لسليمان عليهما السلام : قد ذكر الله الشكر فاكفني قيام النهار أكفك قيام الليل . قال : لا أستطيع قال : فاكفني صلاة النهار . فكفاه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : الشكر تقوى الله ، والعمل بطاعته .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال : الآن شكرتني ، حين علمت أن النعم مني .

وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن المغيرة بن عتبة قال : قال داود عليه السلام : يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني ؟ فأوحى الله إليه : نعم . الضفدع ، وأنزل الله تعالى على داود عليه السلام { اعملوا آل داود شكراً } فقال داود عليه السلام : يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر . فالنعمة منك ، والشكر منك ، فكيف أطيق شكرك ؟ قال : يا داود الآن عرفتني حق معرفتي .

وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الجلد رضي الله عنه قال : قرأت في مَسَاءلَةِ داود عليه السلام أنه قال : أي رب كيف لي أن أشكرك ، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك ؟ قال : فأتاه الوحي : إن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني ؟ قال : قال داود عليه السلام : إلهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ، ما قضيت حق نعمة واحدة من نعمك علي .

وأخرج ابن المنذر عن السدي رضي الله عنه في قوله { اعملوا آل داود شكراً } قال : لم ينفك منهم مصلٍ .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لما قيل لهم { اعملوا آل داود شكراً } لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم يصلي .

وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر ، وقرأ هذه الآية { اعملوا آل داود شكراً } قال : « ثلاث من أوتيهن فقد أوتي ما أوتي آل داود قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : العدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وذكر الله في السر والعلانية » .

وأخرجه ابن مردويه من طريق عطاء بن يسار عن حفصة رضي الله عنها مرفوعاً به وأخرجه الحكيم الترمذي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه ، مرفوعاً به . وأخرجه ابن النجار في تاريخه من طريق عطاء بن يسار عن أبي ذر رضي الله عنه ، مرفوعاً به . وقال « خشية الله في السر والعلانية » والله أعلم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وقليل من عبادي الشكور } يقول : قليل من عبادي الموحدين توحيدهم .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال : قال رجل عند عمر رضي الله عنه : اللهم اجعلني من القليل . فقال عمر رضي الله عنه : ما هذا الدعاء الذي تدعو به ؟ قال : إني سمعت الله يقول { وقليل من عبادي الشكور } فأنا أدعوا الله أن يجعلني من ذلك القليل فقال عمر رضي الله عنه : كل الناس أعلم من عمر .