و«الْمَحَارِيبُ » : الأَبْنِيَةُ العَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ ، قَالَ قَتَادَةُ : القصورُ والمسَاجِدُ والتَّمَاثِيلُ ، قِيلَ : كَانَتْ مِن زُجَاجٍ وَنُحَاسٍ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ ، «والجوابي » : جَمْعُ جَابِيةٍ وَهِي البِرْكَةُ التي يُجْبَى إلَيْهَا الماءُ . و{ راسيات } مَعْنَاه : ثابتاتُ لِكِبَرهَا ، ليستْ مِمَّا يُنْقَلُ أو يُحْمَل ولا يَسْتَطِيعُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الجنُّ ، ثُمَّ أُمرُوا مَعَ هذهِ النعمِ بأَنْ يَعْمَلُوا بالطَّاعَاتِ ، و{ شُكْراً } يُحْتَمَلُ نَصْبُه عَلى الحَالِ ، أوْ عَلَى جِهَةِ المَفْعُولِ ، أي : اعملوا عَمَلاً هو الشكرُ كَأَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّها هِي نَفْسُ الشُّكْرِ ، وفي الحديث : ( أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعَدَ المنبرَ فَتَلا هذه الآيةَ ، ثم قال : ثَلاثٌ من أُوتِيهِنَّ فَقَدْ أُوتِي العَمَلَ شُكْراً : العدلُ في الرضَا والغَضَبِ ، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى ، وخَشْيَةُ اللّهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَة ) ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابنُ العَرَبِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي «أحْكَامِهِ » وَعِبَارَةُ الدَّاوُوديِّ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ اعملوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ، وَقَالَ : ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ : العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرُ والغنى ، وذِكْرُ اللّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ ) قَال القُرْطُبِي الشُّكْرُ تَقْوَى اللّهِ وَالعَمَلُ بِطَاعَتِهِ انتهى .
قالَ ثابتٌ : رُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ ؛ فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ ؛ إلاَّ وَإنْسَانٌ مِنْ آل دَاودَ قَائِمٌ يُصَلِّي ؛ يَتَنَاوَبُونَ دَائِماً ، وَكانَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَم فيما رُوِيَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ أَهْلَه الخُشْكَارَ ، ويُطْعِمُ المسَاكِينَ الدَّرْمَكَ ، وَرُوِيَ أَنَّه مَا شبِعَ قَطٍّ ، فقيلَ له في ذلك ؛ فقال : أخَافُ إنْ شَبِعْتُ أَنْ أنْسَى الجِياعَ .
وقَولُه تَعَالى : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشكور } يُحْتَمَلُ أنْ تَكونَ مخَاطَبَةً لآلِ دَاوُدَ ، ويحتمل : أنْ تكونَ مخاطبةً لنبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى كُلٍّ وَجْهٍ ؛ فَفِيهَا تَحْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ . قال ابنُ عَطَاءِ اللّهِ فِي «الحِكَم » : مَنْ لَمْ يَشْكُر النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها ، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها .
وقَالَ صَاحِبُ «الكَلِمِ الفَارِقية » : " لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ الصَّنَائِعِ ؛ وَسُرْعَةِ استرجاع الوَدَائِعِ ، وَقَالَ أيْضاً : يَا مَيِّتاً نُشِرَ مِنْ قَبْرِ العَدَمْ ، بحُكْمِ الجُودِ والكَرَمِ ، لاَ تَنْسَ سَوَالِفَ العُهُودِ والذِّمَمِ ، أذكُرْ عَهْدَ الإيجَادِ ، وَذِمَّةَ الإحْسَانِ والإرْفَادِ ، وَحَالَ الإصْدَارِ والإيرَادِ ، وفاتحة المَبْدَأِ وَخَاتِمَةَ المَعَادِ " وَقَالَ رحمه اللّه : " يَا دَائِمَ الغَفْلَةِ عَنْ عَظَمَةِ رَبِّه ، أيْن النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِه ، والتَّفَكُّرُ فِي غَرَائِبِ حِكْمَتِه ، أيْنَ شُكْرُ مَا أَفَاضَ عَلَيْكَ مِنْ مَلاَبِسِ إحْسَانِه ونِعَمِهِ ، يَا ذَا الفِطْنَةِ ، اغْتَنِمْ نِعْمَةَ المُهْلَة ، وَفُرْصَةَ المُكْنَةِ ، وَخِلْسَةَ السَّلاَمَةِ ، قَبْلَ حُلُولِ الحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ " . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.