معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

قوله تعالى : { قل أؤنبئكم } أي أخبركم .

قوله تعالى : { بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله } قرأ العامة بكسر الراء ، وروى أبو بكر عن عاصم بضم الراء ، وهما لغتان كالعدوان والعدوان .

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي ، أنا احمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد ابن إسماعيل ، أنا يحيى بن سليمان ، حدثني ابن وهب حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : يا رب وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " .

قوله تعالى : { والله بصير بالعباد } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

1

فأما من أراد الذي هو خير . . خير من ذلك كله . خير لأنه أرفع في ذاته . وخير لأنه يرفع النفس ويصونها من الاستغراق في الشهوات ، والإنكباب على الأرض دون التطلع إلى السماء . . من أراد الذي هو خير فعند الله من المتاع ما هو خير . وفيه عوض كذلك عن تلك الشهوات :

( قل : أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار - خالدين فيها - وأزواج مطهرة ، ورضوان من الله ، والله بصير بالعباد ) . .

وهذا المتاع الأخروي الذي تذكره الآية هنا ، ويؤمر الرسول [ ص ] أن يبشر به المتقين ، هو نعيم حسي في عمومه . . ولكن هنالك فارقا أساسيا بينه وبين متاع الدنيا . . إنه متاع لا يناله إلا الذين اتقوا . الذين كان خوف الله وذكره في قلوبهم . وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس جميعا . شعور ضابط للنفس أن تستغرقها الشهوات ، وأن تنساق فيها كالبهيمة . فالذين اتقوا ربهم حين يتطلعون إلى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون إليه في شفافية مبرأة من غلظة الحس ! وفي حساسية مبرأة من بهيمية الشهوة ! ويرتفعون بالتطلع إليه - وهم في هذه الأرض - قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى قرب الله . .

وفي هذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن متاع الدنيا . . وفيه زيادة . .

فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثا معطيا مخصبا ، ففي الآخرة جنات كاملة تجري من تحتها الأنهار . وهي فوق هذا خالدة وهم خالدون فيها ، لا كالحرث المحدود الميقات !

وإذا كان متاعهم في الدنيا نساء وبنين ، ففي الآخرة أزواج مطهرة . وفي طهارتها فضل وارتفاع على شهوات الأرض في الحياة !

فأما الخيل المسومة والأنعام . وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة . فقد كانت في الدنيا وسائل لتحقيق متاع . فأما في نعيم الآخرة فلا حاجة إلى الوسائل لبلوغ الغايات !

ثم . . هنالك ما هو أكبر من كل متاع . . هنالك ( رضوان من الله ) . رضوان يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى كليهما . . ويرجح . . رضوان . بكل ما في لفظه من نداوة . وبكل ما في ظله من حنان .

( والله بصير بالعباد ) . .

بصير بحقيقة فطرتهم وما ركب فيها من ميول ونوازع . بصير بما يصلح لهذه الفطرة من توجيهات وإيحاءات . بصير بتصريفها في الحياة وما بعد الحياة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

14

أي : قل يا محمد للناس : أأخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها ، الذي هو زائل لا محالة . ثم أخبر عن ذلك ، فقال : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار ، من أنواع الأشربة ؛ من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

{ خَالِدِينَ فِيهَا } أي : ماكثين فيها أبد الآباد{[4886]} لا يبغون{[4887]} عنها حِوَلا .

{ وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } أي : من الدَّنَس ، والخَبَث ، والأذى ، والحيض ، والنفاس ، وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا .

{ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ } أي : يحل عليهم رضوانه ، فلا يَسْخَط عليهم بعده أبدا ؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في براءة : { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] أي : أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم ، ثم قال [ تعالى ]{[4888]} { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } أي : يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء .


[4886]:في جـ، ر: "فيها أبدا".
[4887]:في جـ، ر: "يجدون".
[4888]:زيادة من جـ، أ.