قوله تعالى : { زين للناس حب الشهوات } . جمع شهوة وهي ما تدعو النفس إليه .
قوله تعالى : { من النساء } بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان .
قوله تعالى : { والبنين والقناطير } جمع قنطار واختلفوا فيه ، فقال الربيع بن انس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : القنطار ألف ومائتا أوقية ، لكل أوقية أربعون درهما ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك : ألف ومائتا مثقال ، وعنهما رواية أخرى اثنا عشر ألف درهم وألف دينار دية أحدكم ، وعن الحسن قال : القنطار دية أحدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مائة ألف ، ومائة من ، ومائة رطل ، ومائة مثقال ، ومائة درهم . ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفاً ، وقال مجاهد : سبعون ألفاً ، وعن السدي قال : أربعة آلاف مثقال ، وقال الحكم : القنطار مابين السماء والأرض من مال . وقال أبو نصرة ملء مسك ثور ذهباً أو فضة ؛ وسمي قنطاراً من الإحكام ، يقال : قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سميت القنطرة .
قوله تعالى : { المقنطرة } . قال الضحاك : المحصنة المحكمة ، وقال قتادة : هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض . وقال يمان : هي المدفونة ، وقال السدي : هي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير . وقال الفراء :المضعفة ، فالقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة .
قوله تعالى : { من الذهب والفضة } . وقيل سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق .
قوله تعالى : { والخيل المسومة } . الخيل جمع لا واحد له من لفظه ، واحدها فرس كالقوم والنساء ونحوهما . والمسومة ، قال مجاهد : هي المطهمة الحسان . وقال عكرمة : تسويمها حسنها . وقال سعيد بن جبير : هي الراعية ، يقال : أسام الخيل وسومها ، وقال الحسن وأبو عبيده : هي المعلمة من السيماء ، والسمة العلامة . ثم منهم من قال : سيماها الشبة واللون ، وهو قول قتادة ، وقيل : الكي .
قوله تعالى : { والأنعام } . جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه .
قوله تعالى : { والحرث } يعني الزرع .
قوله تعالى : { ذلك } . الذي ذكرت .
قوله تعالى : { متاع الحياة الدنيا } . يشير إلى أنها متاع يفنى .
قوله تعالى : { والله عنده حسن المآب } . أي المرجع ، فيه إشارة إلى التزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة .
وفي مجال التربية للجماعة المسلمة يكشف لها عن البواعث الفطرية الخفية التي من عندها يبدأ الانحراف ؛ إذا لم تضبط باليقظة الدائمة ؛ وإذا لم تتطلع النفس إلى آفاق أعلى ؛ وإذا لم تتعلق بما عند الله وهو خير وأزكى .
إن الاستغراق في شهوات الدنيا ، ورغائب النفوس ، ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار ؛ ويدفع بالناس إلى الغرق في لجة اللذائذ القريبة المحسوسة ؛ ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى ؛ ويغلظ الحس فيحرمه متعة التطلع إلى ما وراء اللذة القريبة ؛ ومتعة الاهتمامات الكبيرة اللائقة بدور الإنسان العظيم في هذه الأرض ؛ واللائقة كذلك بمخلوق يستخلفه الله في هذا الملك العريض .
ولما كانت هذه الرغائب والدوافع - مع هذا - طبيعية وفطرية ، ومكلفة من قبل الباريء - جل وعلا - أن تؤدي للبشرية دورا أساسيا في حفظ الحياة وامتدادها ، فإن الإسلام لا يشير بكبتها وقتلها ، ولكن إلى ضبطها وتنظيمها ، وتخفيف حدتها واندفاعها ؛ وإلى أن يكون الإنسان مالكا لها متصرفا فيها ، لا أن تكون مالكة له متصرفة فيه ؛ وإلى تقوية روح التسامي فيه والتطلع إلى ما هو أعلى .
ومن ثم يعرض النص القرآني الذي يتولى هذا التوجيه التربوي . . هذه الرغائب والدافع ، ويعرض إلى جوارها على امتداد البصر الوانا من لذائذ الحس والنفس في العالم الآخر ، ينالها من يضبطون أنفسهم في هذه الحياة الدنيا عن الاستغراق في لذائذها المحببة ، ويحتفظون بإنسانيتهم الرفيعة .
وفي آية واحدة يجمع السياق القرآني أحب شهوات الأرض إلى نفس الإنسان : النساء والبنين والأموال المكدسة والخيل والأرض المخصبة والأنعام . . وهي خلاصة للرغائب الأرضية . إما بذاتها ، وإما بما تستطيع أن توفره لأصحابها من لذائذ أخرى . . وفي الآية التالية يعرض لذائذ أخرى في العالم الآخر : جنات تجري من تحتها الأنهار . وأزواج مطهرة . وفوقها رضوان من الله . . وذلك كله لمن يمد ببصره إلى أبعد من لذائذ الأرض ، ويصل قلبه بالله ، على النحو الذي تعرضه آيتان تاليتان :
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، والخيل المسومة ، والأنعام ، والحرث . . ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المآب . قل : أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار - خالدين فيها - وأزواج مطهرة ، ورضوان من الله . والله بصير بالعباد . الذين يقولون : ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار . الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار . . )
( زين للناس ) . وصياغة الفعل للمجهول هنا تشير إلى أن تركيبهم الفطري قد تضمن هذا الميل ؛ فهو محبب ومزين . . وهذا تقرير للواقع من أحد جانبيه . ففي الإنسان هذا الميل إلى هذه " الشهوات " ، وهو جزء من تكوينه الأصيل ، لا حاجة إلى إنكاره ، ولا إلى استنكاره في ذاته . فهو ضروري للحياة البشرية كي تتأصل وتنمو وتطرد - كما أسلفنا - ولكن الواقع يشهد كذلك بأن في فطرة الإنسان جانبا آخر يوازن ذلك الميل ، ويحرس الإنسان أن يستغرق في ذلك الجانب وحده ؛ وأن يفقد قوة النفخة العلوية أو مدلولها وإيحاءها . هذا الجانب الآخر هو جانب الاستعداد للتسامي ، والاستعداد لضبط النفس ووقفها عند الحد السليم من مزاولة هذه " الشهوات " . الحد الباني للنفس وللحياة ؛ مع التطلع المستمر إلى ترقية الحياة ورفعها إلى الأفق الذيتهتف إليه النفحة العلوية ، وربط القلب البشري بالملإ الأعلى والدار الآخرة ورضوان الله . . هذا الاستعداد الثاني يهذب الاستعداد الأول ، وينقيه من الشوائب ، ويجعله في الحدود المأمونة التي لا يطغى فيها جانب اللذة الحسية ونزعاتها القريبة ، على الروح الإنسانية وأشواقها البعيدة . . والاتجاه إلى الله ، وتقواه ، هو خيط الصعود والتسامي إلى تلك الأشواق البعيدة .
( زين للناس حب الشهوات ) . . فهي شهوات مستحبة مستلذة ؛ وليست مستقذرة ولا كريهة . والتعبير لا يدعو إلى استقذارها وكراهيتها ؛ إنما يدعو فقط إلى معرفة طبيعتها وبواعثها ، ووضعها في مكانها لا تتعداه ، ولا تطغى على ما هو أكرم في الحياة وأعلى . والتطلع إلى آفاق أخرى بعد أخذ الضروري من تلك " الشهوات " في غير استغراق ولا إغراق !
وهنا يمتاز الإسلام بمراعاته للفطرة البشرية وقبولها بواقعها ، ومحاولة تهذيبها ورفعها ، لا كبتها وقمعها . . والذين يتحدثون في هذه الأيام عن " الكبت " واضراره ، وعن " العقد النفسية " التي ينشئها الكبت والقمع ، يقررون أن السبب الرئيسي للعقد هو " الكبت " وليس هو " الضبط " . . وهو استقذار دوافع الفطرة واستنكارها من الأساس ، مما يوقع الفرد تحت ضغطين متعارضين : ضغط من شعوره - الذي كونه الإيحاء أو كونه الدين أو كونه العرف - بأن دوافع الفطرة دوافع قذرة لا يجوز وجودها أصلا ، فهي خطيئة ودافع شيطاني ! وضغط هذه الدوافع التي لا تغلب لأنها عميقة في الفطرة ، ولأنها ذات وظيفة أصيلة في كيان الحياة البشرية ، لا تتم إلا بها ، ولم يخلقها الله في الفطرة عبثا . . وعندئذ وفي ظل هذا الصراع تتكون " العقد النفسية " . . فحتى إذا سلمنا جدلا بصحة هذه النظريات النفسية ، فإننا نرى الإسلام قد ضمن سلامة الكائن الإنساني من هذا الصراع بين شطري النفس البشرية . بين نوازع الشهوة واللذة ، وأشواق الارتفاع والتسامي . . وحقق لهذه وتلك نشاطها المستمر في حدود التوسط والاعتدال .
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث . . . ) . .
والنساء والبنون شهوة من شهوات النفس الإنسانية قوية . . وقد قرن اليهما ( القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ) . . ونهم المال هو الذي ترسمه ( القناطير المقنطرة ) ولو كان يريد مجرد الميل إلى المال لقال : والأموال . أو والذهب والفضة . ولكن القناطير المقنطرة تلقي ظلا خاصا هو المقصود . ظل النهم الشديد لتكديس الذهب والفضة . ذلك أن التكديس ذاته شهوة . بغض النظر عما يستطيع المال توفيره لصاحبه من الشهوات الأخرى !
ثم قرن إلى النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة . . الخيل المسومة . والخيل كانت - وما تزال حتى في عصر الآلة المادي اليوم - زينة محببة مشتهاة . ففي الخيل جمال وفتوة وانطلاق وقوة . وفيها ذكاء وألفة ومودة . وحتى الذين لا يركبونها فروسية ، يعجبهم مشهدها ، ما دام في كيانهم حيوية تجيش لمشهد الخيل الفتية !
وقرن إلى تلك الشهوات الأنعام والحرث . وهما يقترنان عادة في الذهن وفي الواقع . . الأنعام والحقول المخصبة . . والحرث شهوة بما فيه من مشهد الإنبات والنماء . وإن تفتح الحياة في ذاته لمشهد حبيب فإذا أضيفتإليه شهوة الملك ، كان الحرث والأنعام شهوة .
وهذه الشهوات التي ذكرت هنا هي نموذج لشهوات النفوس ، يمثل شهوات البيئة التي كانت مخاطبة بهذا القرآن ؛ ومنها ما هو شهوة كل نفس على مدار الزمان . والقرآن يعرضها ثم يقرر قيمتها الحقيقية ، لتبقى في مكانها هذا لا تتعداه ، ولا تطغى على ما سواه :
( ذلك متاع الحياة الدنيا ) . .
ذلك كله الذي عرضه من اللذائذ المحببة - وسائر ما يماثله من اللذائذ والشهوات - متاع الحياة الدنيا . لا الحياة الرفيعة ، ولا الآفاق البعيدة . . متاع هذه الأرض القريب . .
يخبر تعالى عما زُيِّن للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين ، فبدأ بالنساء ؛ لأن الفتنة بهن أشد ، كما ثبت في الصحيح أنه ، عليه السلام ، قال{[4851]} مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء " . فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد ، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه ، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه ، " وإنَّ خَيْرَ هَذه الأمَّةِ كَانَ أكْثرهَا نسَاءً " {[4852]} وقوله ، عليه السلام{[4853]} الدُّنْيَا مَتَاع ، وخَيْرُ مَتَاعِهَا المرْأةُ الصَّالحةُ ، إنْ نَظَرَ إلَيْها سَرَّتْهُ ، وإنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْه ، وإنْ غَابَ عَنْها حَفِظْتُه في نَفْسهَا وَمَالِهِ " {[4854]} وقوله في الحديث الآخر : " حُبِّبَ إلَيَّ النِّسَاءُ والطِّيبُ{[4855]} وجُعلَتْ قُرة عَيْني فِي الصَّلاةِ " {[4856]} وقالت عائشة ، رضي الله عنها : لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل ، وفي رواية : من الخيل إلا النساء{[4857]} .
وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا ، وتارة يكون لتكثير النسل ، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له ، فهذا محمود ممدوح ، كما ثبت في الحديث : " تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ ، فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ " {[4858]}
وحب المال - كذلك - تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء ، والتجبر على الفقراء ، فهذا مذموم ، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات ، فهذا ممدوح محمود{[4859]} عليه شرعًا .
وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال ، وحاصلها : أنه المال الجزيل ، كما قاله الضحاك وغيره ، وقيل : ألف دينار . وقيل : ألف ومائتا دينار . وقيل : اثنا عشر ألفا . وقيل : أربعون ألفا . وقيل : ستون ألفا وقيل : سبعون ألفا . وقيل : ثمانون ألفا . وقيل غير ذلك .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا{[4860]} حماد ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ ألْف أوقيَّةٍ ، كُلُّ أوقِيَّةٍ خَيْر مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ " .
وقد رواه ابن ماجة ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد ابن سلمة ، به . وقد رواه ابن جرير عن بُنْدار ، عن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم - هو ابن بَهْدَلة - عن أبي صالح ، عن أبي هريرة{[4861]} موقوفا ، وهذا أصح . وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر . وحكاه ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة وأبي الدرداء ، أنهم قالوا : القنطار ألف ومائتا أوقية .
ثم قال ابن جرير : حدثني زكريا بن يحيى الضرير ، حدثنا شبابة ، حدثنا مَخْلَد بن عبد الواحد ، عن علي بن زيد ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن زِرّ بن حُبَيْش عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القِنْطَارُ ألْفُ أوقِيَّةٍ ومائَتَا أوقِيَّةٍ " {[4862]} .
وهذا حديث منكر أيضًا ، والأقربُ أن يكون موقوفا على أبي بن كعب ، كغيره من الصحابة . وقد روى ابن مَرْدُويَه ، من طريق موسى بن عُبَيْدة الرَبَذِي{[4863]} عن محمد بن إبراهيم عن يحنَّش{[4864]} أبي موسى ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ مائة آيةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، ومَنْ قَرَأ مِائَةَ آيةٍ إِلَى ألْف أصْبَح لَهُ قِنْطار مِنْ أجْرٍ عندَ الله ، القِنْطارُ مِنْهُ مِثلُ الجبَلِ العَظِيمِ " . ورواه وَكِيع ، عن موسى بن عُبَيدة ، بمعناه{[4865]} وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتنِّيس{[4866]} حدثنا عَمْرو{[4867]} بن أبي سلمة ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثنا حُمَيد الطويل ، ورجل آخر ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله ، عز وجل : { وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ } قال : " القِنْطَارُ ألفا أُوقِيَّةٍ " . صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، هكذا رواه الحاكم{[4868]} .
وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرَّقِّي ، حدثنا عمرو ابن أبي سلمة ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - حدثنا حميد الطويل ورجل آخر قد سماه - يعني يزيد الرَّقَاشي - عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : قنطار ، يعني : " ألف دينار " . وهكذا [ رواه ]{[4869]} ابن مَرْدُويه ، ورواه{[4870]} الطبراني ، عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم ، عن عَمْرو بن أبي سلمة ، فذكر بإسناده مثله سواء{[4871]} .
وروى ابن جرير عن الحسن البصري مرسلا عنه وموقوفا عليه : القنطار ألف ومائتا دينار . وكذا{[4872]} رواه العَوْفي عن ابن عباس .
وقال الضحاك : من العرب من يقول : القنطار ألف دينار . ومنهم من يقول : اثنا عشر ألفا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عارِم ، عن حَمّاد ، عن سعيد الجُرَيرِي{[4873]} عن أبي نضْرة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : [ القنطار ]{[4874]} ملء مَسْك الثور ذهبا .
قال أبو محمد : ورواه محمد بن موسى الحرشي ، عن حماد بن زيد ، مرفوعا . والموقوف أصح{[4875]} .
وحب الخيل على ثلاثة أقسام ، تارة يكون ربطَها أصحابُها معدَّة لسبيل الله تعالى ، متى احتاجوا إليها غزَوا عليها ، فهؤلاء يثابون . وتارة تربط فخرا ونواء لأهل الإسلام ، فهذه على صاحبها وزْر . وتارة للتعفف واقتناء نسلها . ولم يَنْسَ حق الله في رقابها ، فهذه لصاحبها ستْر ، كما سيأتي الحديث بذلك [ إن شاء الله تعالى ]{[4876]} عند قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ] {[4877]} } [ الأنفال : 60 ] .
وأما { الْمُسَوَّمَةِ } فعن ابن عباس ، رضي الله عنهما : المسومة الراعية ، والمُطَهَّمة الحسَان ، وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن عبد الله{[4878]} بن أبْزَى ، والسُّدِّي ، والربيع بن أنس ، وأبي سِنَان وغيرهم .
وقال مكحول : المسومة : الغُرَّة والتحجيل . وقيل غير ذلك .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن{[4879]} يزيد بن أبي حبيب ، عن سُوَيْد بن قيس ، عن معاوية بن حُدَيج ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِي إلا يُؤذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْر يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنَّكَ خَوَّلْتَنِي مِنْ خَوَّلْتَني من ]{[4880]} بَنِي آدَم ، فاجْعَلنِي مِنْ أحَبِّ مَالِهِ وأهْلِهِ إليه ، أوْ أحَب أهْلِه ومالِهِ إليهِ " {[4881]} .
وقوله : { وَالأنْعَامِ } يعني : الإبل والبقر والغنم { وَالْحَرْث } يعني : الأرض{[4882]} المتخذة للغِرَاس والزراعة{[4883]} .
قال الإمام أحمد : حدثنا رَوْح بن عبادة ، حدثنا أبو نعامة العدوي ، عن مسلم بن بُدَيل{[4884]} عن إياسِ بن زهير ، عن سُويد بن هُبَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خَيْرُ مَالِ امرئ لَهُ مُهْرة مَأمُورة ، أو سِكَّة مَأبُورة " {[4885]} المأمورة الكثيرة النسل ، والسّكَّة : النخل المصطف ، والمأبورة : الملقحة .
ثم قال تعالى : { ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } أي : حسن المرجع والثواب .