معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قوله تعالى :{ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل } يعني : أمرناه وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة { من قبل } أي من هؤلاء الذين نقضوا عهدك وتركوا الإيمان بي ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى : { لعلهم يتقون } { فنسي } فترك الأمر والمعنى أنهم نقضوا العهد ، فإن آدم أيضاً عهدنا إليه فنسي { ولم نجد له عزماً } قال الحسن : لم نجد له صبراً عما نهى الله عنه . وقال عطية العوفي : حفظاً لما أمر به . وقال ابن قتيبة : رأياً معزوماً حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له . والعزم في اللغة : هو توطين النفس على الفعل . قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم بحلم جميع ولده لرجح حلمه ، وقد قال الله : { ولم نجد له عزماً } فإن قيل : أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة ؟ قيل : يجوز أن يكون نسي أمره ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان ، بل كان مؤاخذاً به ، وإنما رفع عنا . وقيل : نسى عقوبة الله وظن أنه نهاه تنزيهاً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

99

ثم تجيء قصة آدم ، وقد نسي ما عهد الله به إليه ؛ وضعف أمام الإغراء بالخلود ، فاستمع لوسوسة الشيطان : وكان هذا ابتلاء من ربه له قبل أن يعهد إليه بخلافة الأرض ؛ ونموذجا من فعل إبليس يتخذ أبناء آدم منه عبرة . فلما تم الابتلاء تداركت آدم رحمة الله فاجتباه وهداه . .

والقصص القرآني يجيء في السياق متناسقا معه . وقصة آدم هنا تجيء بعد عجلة الرسول بالقرآن خوف النسيان ، فيذكر في قصة آدم نقطة النسيان . وتجيء في السورة التي تكشف عن رحمة الله ورعايته لمن يجتبيهم من عباده ، فيذكر في قصة آدم أن ربه اجتباه فتاب عليه وهداه . ثم يعقبها مشهد من مشاهد القيامة يصور عاقبة الطائعين من أبنائه وعاقبة العصاة . وكأنما هي العودة من رحلة الأرض إلى المقر الأول ليجزى كل بما قدمت يداه .

فلنتبع القصة كما جاءت في السياق :

( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) . .

وعهد الله إلى آدم كان هو الأكل من كل الثمار سوى شجرة واحدة ، تمثل المحظور الذي لا بد منه لتربية الإرادة ، وتأكيد الشخصية ، والتحرر من رغائب النفس وشهواتها بالقدر الذي يحفظ للروح الإنسانية حرية الانطلاق من الضرورات عندما تريد ؛ فلا تستعبدها الرغائب وتقهرها . وهذا هو المقياس الذي لا يخطئ في قياس الرقي البشري . فكلما كانت النفس أقدر على ضبط رغائبها والتحكم فيها والاستعلاء عليها كانت أعلى في سلم الرقي البشري . وكلما ضعفت أمام الرغبة وتهاوت كانت أقرب إلى البهيمية وإلى المدارج الأولى .

من أجل ذلك شاءت العناية الإلهية التي ترعى هذا الكائن الإنساني أن تعده لخلافة الأرض باختبار إرادته ، وتنبيه قوة المقاومة فيه ، وفتح عينيه على ما ينتظره من صراع بين الرغائب التي يزينها الشيطان ، وإرادته وعهده للرحمن . وها هي ذي التجربة الأولى تعلن نتيجتها الأولى : ( فنسي ولم نجد له عزما )ثم تعرض تفصيلاتها :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } .

يقول تعالى ذكره : وإن يضيع يا محمد هؤلاء الذين نصرّف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي ، ويخالفوا أمري ، ويتركوا طاعتي ، ويتبعوا أمر عدوّهم إبليس ، ويطيعوه في خلاف أمري ، فقديما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَقَدْ عَهِدْنا إلَيْهِ يقول : ولقد وصينا آدم وقلنا له : إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنّكُما منَ الجَنّةِ فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ، وخالف أمري ، فحلّ به من عقوبتي ما حلّ .

وعنى جلّ ثناؤه بقوله : مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد في هذا القرآن وقوله : فَنَسِيَ يقول : فترك عهدي ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ " يقول : فترك .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَنَسِيَ قال : ترك أمر ربه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : قال له " يا آدَمُ إِن هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِك فَلا يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الجَنّةِ فَتَشْقَى " فقرأ حتى بلغ : " لا تَظْمَأُ فِيها وَلا تَضْحَى " ، وقرأ حتى بلغ : " وَمُلْكٍ لا يَبْلَى " قال : فنسي ما عهد إليه في ذلك ، قال : وهذا عهد الله إليه ، قال : ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده ، وأبى أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبليس ، وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه ، وأمر ملائكته فسجدوا له .

حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن ، ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما سُمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي .

وقوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " اختلف أهل التأويل في معنى العزم ها هنا ، فقال بعضهم : معناه الصبر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " أي صبرا .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " ، قال : صبرا .

حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجاني ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : بل معناه : الحفظ ، قالوا : ومعناه : ولم نجد له حفظا لما عهدنا إليه . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا .

حدثنا عباد بن محمد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته به .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجد له حفظا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : العزم : المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه ، والتمسك به .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجعل له عزما .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي أمامة قال : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله تعالى آدم إلى يوم الساعة ، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حلم آدم في الكفة الأخرى ، لرجح حلمه بأحلامهم ، وقد قال الله تعالى : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " .

قال أبو جعفر : وأصل العزم اعتقاد القلب على الشيء ، يقال منه : عزم فلان على كذا : إذا اعتقد عليه ونواه ومن اعتقاد القلب : حفظ الشيء ، ومنه الصبر على الشيء ، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى ، وهو قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " فيكون تأويله : ولم نجد له عزم قلب ، على الوفاء لله بعهده ، ولا على حفظ ما عهد إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف ، وذلك أن يكون { آدم } مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، و { آدم } إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية ، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه { فنسي } فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم . و «العهد » هنا في معنى الوصية . و «نسي » معناه ترك ، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب ، وقرأ الأعمش «فنسي » بسكون الياء ووجهها طلب الخفة ، و «العزم » المضي على المعتقد في أي شيء كان ، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله له { ولم نجد له عزماً } .