فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ } اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من تصريف الوعيد ، أي لقد أمرناه ووصيناه ، والمعهود محذوف ، وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة ، ومعنى { مِن قَبْلُ } أي من قبل هذا الزمان { فَنَسِيَ } قرأ الأعمش بإسكان الياء ، والمراد بالنسيان هنا : ترك العمل بما وقع به العهد إليه فيه ، وبه قال أكثر المفسرين . وقيل : النسيان على حقيقته ، وأنه نسي ما عهد الله به إليه وينتهي عنه ، وكان آدم مأخوذاً بالنسيان في ذلك الوقت ، وإن كان النسيان مرفوعاً عن هذه الأمة . والمراد من الآية تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم على القول الأوّل ، أي أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم ، وأن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم ، كذا قال ابن جرير والقشيري . واعترضه ابن عطية قائلاً بأن كون آدم مماثلاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، وقرئ : «فنسي » بضم النون وتشديد السين مكسورة مبنياً للمفعول ، أي فنساه إبليس { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } العزم في اللغة : توطين النفس على الفعل والتصميم عليه ، والمضيّ على المعتقد في أيّ شيء كان ، وقد كان آدم عليه السلام قد وطن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمم على ذلك ، فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته وفتر عزمه وأدركه ضعف البشر ؛ وقيل : العزم : الصبر ، أي لم نجد له صبراً عن أكل الشجرة . قال النحاس : وهو كذلك في اللغة ، يقال : لفلان عزم ، أي صبر وثبات على التحفظ عن المعاصي حتى يسلم منها ، ومنه { كَمَا صَبَرَ أُولُوا العزم مِنَ الرسل } [ الأحقاف : 35 ] . وقيل : المعنى : ولم نجد له عزماً على الذنب ، وبه قال ابن كيسان . وقيل : ولم نجد له رأياً معزوماً عليه ، وبه قال ابن قتيبة .

/خ122