تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

الآية 115 : وقوله تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } قال الحسن وعامة أهل التأويل : إن قوله : { فنسي } أي ضيع ، وترك ، ليس نسيان السهو ، لأنه عوتب عليه ، وعوقب به . ولا يعاتب المرء على ما هو حقيقة السهو والنسيان . فدل أنه على التضييع والترك ، ليس على النسيان والسهو . إلى هذا يذهب هؤلاء . لكن يقبح هذا : أن يقال في آدم أو في نبي من أنبيائه أو في رسول من رسله صلى الله عليه وسلم إنه{[12467]} ضيع . والنسيان عندنا على قسمين [ أحدهما ] {[12468]} : نسيان يكون عن غفلة منه وشغل ، ما لولا ذلك الشغل منه والغفلة ، لحفظه ، وذكره ، ولا ينساه . [ والمعاتبة جائزة ] {[12469]} على هذا النسيان ؛ إذ لو كان تكلف لكان لا ينساه ، ولا يقع فيه . [ والثاني : نسيان ] {[12470]} يقع فيه من غير سبب ، كان منه ، لا يملك دفعه . وذلك نسيان ما لا يعاتب عليه ، ولا يعاقب به .

وهكذا الكلفة من الله تعالى والمحنة ؛ إنه جائز أن يكلف ، ويمتحن من لا يعلم ، ولا يعقل الكلفة وقت تكليفه إياه بعد أن يحتمل عقله إدراك ذلك لو استعمله .

فأما من كان عقله لا يحتمل إدراك ما كلفه ، وإن استعمله ، وأجهد نفسه فيه ، فإنه لا يكلف البتة . فعلى ذلك النسيان الذي ذكر من آدم ؛ جائز أنه لو تكلف لحفظه{[12471]} وذكره . فإنما عوقب{[12472]} لذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولم نجد له عزما } قال الحسن : أي منعا من الشيطان . وقال بعضهم : صبرا نحوه . والعزم حقيقة القصد والقطع على الشيء ، وهو ضد النسيان الذي ذكر .


[12467]:في الأصل و م: أن.
[12468]:ساقطة من الأصل و م.
[12469]:في الأصل و م: وجائز المعاتبة.
[12470]:في الأصل و م: ونسيان آخر.
[12471]:في الأصل و م: حفظه.
[12472]:في م: عوتب.