معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

قوله تعالى : { ولو كره الكافرون رفيع الدرجات } رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة { ذو العرش } خالقه ومالكه { يلقي الروح } ينزل الوحي سماه وحياً ، لأنه تحيا به القلوب ، كما تحيا الأبدان بالأرواح { من أمره } قال ابن عباس : من قضائه . وقيل : من قوله ، وقال مقاتل : بأمره { على من يشاء من عباده لينذر } أي : لينذر النبي بالوحي { يوم التلاق } وقرأ يعقوب بالتاء ، أي : لتنذر أنت يا محمد يوم التلاقي يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض . وقال قتادة ، ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق ، قال ابن زيد : يتلاقى العباد ، وقال ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم ، والخصوم . وقيل : يلتقي العابدون والمعبودون ، وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

ثم يذكر من صفات الله في هذا المقام الذي يوجه المؤمنين فيه إلى عبادة الله وحده ولو كره الكافرون . يذكر من هذه الصفات أنه سبحانه :

( رفيع الدرجات ذو العرش ، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) . .

فهو - سبحانه - وحده صاحب الرفعة والمقام العالي ، وهو صاحب العرش المسيطر المستعلي . وهو الذي يلقي أمره المحيي للأرواح والقلوب على من يختاره من عباده . وهذا كناية عن الوحي بالرسالة . ولكن التعبير عنه في هذه الصيغة يبين أولاً حقيقة هذا الوحي ، وأنه روح وحياة للبشرية ، ويبين ثانيا أنه يتنزل من علو على المختارين من العباد . . وكلها ظلال متناسقة مع صفة الله ( العلي الكبير ) . .

فأما الوظيفة البارزة لمن يختاره الله من عباده فيلقي عليه الروح من أمره ، فهي الإنذار :

( لينذر يوم التلاق ) . .

وفي هذا اليوم يتلاقى البشر جميعاً . ويتلاقى الناس وأعمالهم التي قدموا في الحياة الدنيا . ويتلاقى الناس والملائكة والجن وجميع الخلائق التي تشهد ذلك اليوم المشهود وتلتقي الخلائق كلها بربها في ساعة الحساب فهو يوم التلاقي بكل معاني التلاقي .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التّلاَقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىَ عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ } .

يقول تعالى ذكره : هو رفيع الدرجات ورفع قوله : رَفِيعُ الدّرَجاتِ على الابتداء ولو جاء نصبا على الردّ على قوله : فادعوا الله ، كان صوابا . ذُو العَرْشِ يقول : ذو السرير المحيط بما دونه .

وقوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يقول : ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُني به الوحي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ قال : الوحي من أمره .

وقال آخرون : عُني به القرآن والكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثني هارون بن إدريس الأصمّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن المحاربيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك في قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال : يعني بالروح : الكتاب ينزله على من يشاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ، وقرأ : وكذَلكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا قال : هذا القرآن هو الروح ، أوحاه الله إلى جبريل ، وجبريل روح نزل به على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ : نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ قال : فالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه هي الروح ، ليُنذر بها ما قال الله يوم التلاق ، يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلاَئِكَةُ صَفّا ، قال : الروح : القرآن ، كان أبي يقوله ، قال ابن زيد : يقومون له صفا بين السماء والأرض حين ينزل جلّ جلاله .

وقال آخرون : عُني به النبوّة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، وفي قول الله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال : النبوّة على من يشاء .

وهذه الأقوال متقاربات المعاني ، وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها .

وقوله : لِيُنْذِرَ يَوْمَ التّلاقِ يقول : لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر الله بإنذاره من خلقه عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وهو يوم التلاق ، وذلك يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ التّلاقِ من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذّره عباده .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ التّلاقِ : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي يَوْمَ التّلاق تلتقي أهل السماء وأهل الأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد يَومْ التّلاقِ قال : يوم القيامة . قال : يوم تتلاقى العباد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

وقوله تعالى : { رفيع الدرجات } صفاته العلى ، وعبر بما يقرب لأفهام السامعين ، ويحتمل أن يريد ب { رفيع الدرجات } التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنة . و : { العرش } هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض .

وقوله تعالى : { يلقي الروح } قال الضحاك : { الروح } هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل . وقال قتادة والسدي : { الروح } النبوءة ومكانتها كما قال تعالى : { روحاً من أمرنا }{[9972]} ويسمى هذا روحاً لأنه يحيي به الأمم والأزمان كما يحيي الجسد بروحه ، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عاماً لكل ما ينعم الله به على عباده المعتدين في تفهيمه الإيمان والمعتقدات الشريفة . والمنذر على هذا التأويل : هو الله تعالى . قال الزجاج : { الروح } : كل ما به حياة الناس ، وكل مهتد حي ، وكل ضال كالميت .

وقوله : { من أمره } إن جعلته جنساً للأمور ف { من } للتبعيض أو لابتداء الغاية ، وإن جعلنا الأمر من معنى الكلام : ف { من } إما لابتداء الغاية ، وإما بمعنى الباء ، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب : وجماعة : «لينذِر » بالياء وكسر الذال ، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى ، ويحتمل أن يعود على { الروح } ، ويحتمل أن يعود على { من } في قوله : { من يشاء } . وقرأ محمد بن السميفع اليماني : «لينذَر » بالياء وفتح الذال ، وضم الميم من «يومُ » وجعل اليوم منذراً على الاتساع . وقرا جمهور الناس : «لتنذر » بالتاء على مخاطبة محمد عليه السلام ، ويومَ «بالنصب .

وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة : » التلاق «دون ياء . وقرأ أبو عمرو أيضاً وعيسى ويعقوب : » التلاقي «بالياء ، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر في { التنادي }{[9973]} ، ومعناه : تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض ، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم ، وقال السدي : معناه : تلاقي أهل السماء وأهل الأرض ، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم ، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفاً ، وقيل يلتقي المرء وعمله .


[9972]:من الآية (52) من سورة (الشورى).
[9973]:من الآية (32) من هذه السورة. ونلحظ أنه لم يمر، بل سيأتي.