فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

{ رَفِيعُ الدرجات } وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر عن المبتدأ المتقدّم أي هو الذي يريكم آياته ، وهو رفيع الدرجات . وكذلك { ذُو العرش } خبر ثالث ، ويجوز أن يكون رفيع الدرجات مبتدأ ، وخبره { ذُو العرش } ، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ، ورفيع صفة مشبهة ، والمعنى رفيع الصفات ، أو رفيع درجات ملائكته ، أي معارجهم ، أو رفيع درجات أنبيائه ، وأوليائه في الجنة . وقال الكلبي ، وسعيد بن جبير : رفيع السماوات السبع ، وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى : رافع ، ومعنى ذو العرش : مالكه وخالقه ، والمتصرف فيه ، وذلك يقتضي علوّ شأنه ، وعظم سلطانه ، ومن كان كذلك ، فهو الذي يحقّ له العبادة ، ويجب له الإخلاص ، وجملة : { يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ } في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدّم أو للمقدّر ، ومعنى ذلك : أنه سبحانه يلقي الوحي { على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } ، وسمي الوحي : روحاً ، لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح ، وقوله : { مِنْ أَمْرِهِ } متعلق ب{ يلقى } ، و{ من } لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الروح ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . وقيل الروح جبريل كما في قوله : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] ، وقوله : { نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبّكَ بالحق } [ النحل : 102 ] ، وقوله : { على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } هم الأنبياء ، ومعنى { مِنْ أَمْرِهِ } من قضائه { لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق } قرأ الجمهور { لينذر } مبنياً للفاعل ، ونصب اليوم ، والفاعل هو الله سبحانه ، أو الرسول ، أو من يشاء ، والمنذر به محذوف تقديره : لينذر العذاب يوم التلاق . وقرأ أبيّ ، وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازاً . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن السميفع : " لتنذر " بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب ، وهو : الرسول ، أو ضمير يرجع إلى الرّوح ؛ لأنه يجوز تأنيثها . وقرأ اليماني : " لينذر " على البناء للمفعول ، ورفع يوم على النيابة ، ومعنى { يَوْمَ التلاق } يوم يلتقي أهل السماوات والأرض في المحشر ، وبه قال قتادة . وقال أبو العالية ، ومقاتل : يوم يلتقي العابدون والمعبودون ، وقيل : الظالم والمظلوم . وقيل : الأوّلون والآخرون . وقيل : جزاء الأعمال والعاملون .

/خ20