الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

قوله : { رَفِيعُ } : فيه وجهان ، أحدهما : أَنْ يكونَ مبتدأً والخبرُ " ذو العرشِ " ، و " يُلْقي الروحَ " / يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً ، وأن يكونَ حالاً ، ويجوزُ أَنْ تكونَ الثلاثةُ أخباراً لمبتدأ محذوفٍ . ويجوزُ أَنْ تكونَ الثلاثةُ أخباراً لقولِه : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } . قال الزمخشري : " ثلاثةُ أخبارٍ يجوزُ أَنْ تكونَ مترتبةً على قولِه : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ، أو أخبارَ مبتدأ محذوفٍ وهي مختلفةٌ تعريفاً وتنكيراً " . قلت : أمَّا الأولُ ففيه طولُ الفَصْلِ وتعدُّدُ الأخبارِ ، وليسَتْ في معنى خبرٍ واحدٍ . وأمَّا الثاني ففيه تَعدُّدُ الأخبارِ وليسَتْ في معنى خبرٍ واحدٍ ، وهي مسألةُ خلافٍ . ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " ذو العرش " صفةً ل " رفيعُ الدرجاتِ " إنْ جَعَلْناه صفةً مشبهةً ، أمَّا إذا جَعَلْناه مثالَ مبالغةٍ ، أي : يرفع درجاتِ المؤمنين ، فيجوزُ ذلك على أَنْ تُجْعَلَ إضافتُه مَحْضَةً ، وكذلك عند مَنْ يُجَوِّزُ تمحُّضَ إضافةِ الصفةِ المشبهة أيضاً ، وقد تقدَّمَ .

وقُرِئ " رفيعَ " بالنصبِ على المدح ، و " مِنْ أَمْرِه " متعلِّقٌ ب " يُلْقِي " و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ . ويجوزُ أَن يكونَ متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " الروح " .

قوله : " لِيُنْذِرَ " العامَّةُ على بنائِه للفاعلِ ، ونصبِ اليوم . والفاعلُ هو اللَّهُ تعالى أو الروح أو مَنْ يشاء أو الرسول . ونَصْبُ اليوم : إمَّا على الظرفيَّةِ . والمُنْذَرُ به محذوفٌ تقديرُه : ليُنْذِرَ بالعذابِ يومَ التَّلاق ، وإمَّا على المفعول به اتِّساعاً في الظرفِ .

وقرأ أُبَيٌّ وجماعةٌ كذلك ، إلاَّ أنه رَفَع اليوم على الفاعليَّةِ مجازاً أي : ليُنْذِر الناسَ العذابَ يومُ التلاق . وقرأ الحسن واليمانيُّ " لِتُنْذِرَ " بالتاءِ من فوقُ . وفيه وجهان ، أحدُهما : أنَّ الفاعلَ ضميرُ المخاطبِ ، وهو الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم . والثاني : أنَّ الفاعلَ ضميرُ الروحِ فإنَّها مؤنثةٌ على رَأْيٍ . وقرأ اليمانيُّ أيضاً " لِيُنْذَرَ " مبنياً للمفعول ، " يومُ " بالرفعِ ، وهي تُؤَيِّدُ نصبَه في قراءةِ الجمهورِ على المفعولِ به اتِّساعاً .

وأثبت ياءَ " التلاقي " وَصْلاً ووَقْفاً ابن كثير وأَثْبَتها في الوقف دونَ الوصل - مِنْ غير خِلافٍ - ورشٌ ، وحَذَفها الباقون وَصْلاً ووقفاً ، إلاَّ قالونَ فإنه رُوِيَ عنه وجهان : وجهٌ كورش ، ووجهٌ كالباقين ، وكذلك هذا الخلافُ بعينِه جارٍ في { يَوْمَ التَّنَادِ } [ غافر : 32 ] . وقد تقدَّم توجيهُ هذَيْن الوجهَيْن في الرعد في قولِه : { الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } [ الرعد : 9 ] .