فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } مرفوع على أنه خبر آخر عن المبتدأ المقدم ، أي هو الذي يريكم آياته وهو رفيع الدرجات ، وكذلك { ذُو الْعَرْشِ } خبر ثالث ويجوز أن يكون رفيع مبتدأ ، وخبره ذو العرش ، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ورفيع صفة مشبهة ، والمعنى رفيع الصفات عظيمها أو رفيع درجات ملائكته ، أي معارجهم ، أو رفيع درجات أنبيائه وأوليائه في الجنة ، وقال الكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السماوات السبع ، وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع ، وقيل : هو المرتفع بعظمته في صفات جلاله وكماله ووحدانيته ، المستغني عن كل ما سواه وكل الخلق فقراء إليه ومعنى ذو العرش مالكه وخالقه ، والمتصرف فيه ، خلقه مطافا للملائكة ، وجعله فوق سماواته وذلك يقتضي علو شأنه وعظم سلطانه ، ومن كان كذلك فهو الذي تحق له العبادة ، ويجب له الإخلاص .

وجملة { يُلْقِي الرُّوحَ } في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدم أو للمقدر أي ينزل الوحي وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون به من موت الكفر ، كما تحيا الأبدان بالأرواح ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } وقيل الروح جبريل كما في قوله { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ } وقوله { نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } ، وقوله { مِنْ أَمْرِهِ } متعلق بيلقي ، ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الروح أو المعنى من أجل أمره ، أو بأمره أو من قضائه .

{ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } قرأ الجمهور مبنيا للفاعل ونصب اليوم والفاعل هو الله سبحانه أو الرسول أو من يشاء والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب يوم التلاق ، وقرئ لتنذر بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ، أو ضمير يرجع إلى الروح لأنه يجوز تأنيثها ، وقرئ على البناء للمفعول ، ورفع يوم على النيابة ، والتلاق بحذف الياء وإثباتها وقفا ووصلا ، وتوجيه ذلك ذكره الفاسي في شرط الشاطبية فليراجع .

والمعنى يوم يلتقي أهل السماوات والأرض في المحشر ، وبه قال قتادة ، وقال أبو العالية ومقاتل : يوم يلتقي العابدون والمعبودون ، وقيل الظالم والمظلوم ، وقيل يلتقي الخلق والخالق ، وقيل الأولون والآخرون ، وقيل جزاء الأعمال والعاملون .

قال ابن عباس : يوم التلاق يوم القيامة يلتقي فيه آدم وآخر ولده ، وعنه قال : هو يوم الآزفة ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذر عباده منه .