{ رَفِيعُ الدرجات } صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رفع الشيء بالضم إذا علا ، وجوز أن يكون صيغة مبالغة من باب أسماء الفاعلين وأضيف إلى المفعول وفيه بعد ، و { الدرجات } مصاعد الملائكة عليهم السلام إلى أن يبلغوا العرش أي رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه .
وفسرها ابن جبير بالسماوات ولا بأس بذلك فإن الملائكة يعرجون من سماء إلى سماء حتى يبلغوا العرش إلا أنه جعل { رفيعاً } اسم فاعل مضافاً إلى المفعول فقال : أي رفع سماء فوق سماء والعرش فوقهن ، وقد سمعت آنفاً أن فيه بعداً ، ووصفه عز وجل بذلك للدلالة على سبيل الإدماج على عزته سبحانه وملكوته جل شأنه .
ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه عز شأنه وسلطانه كما أن قوله تعالى : { الودود ذُو العرش } كناية عن ملكه جل جلاله ، ولا نظر في ذلك إلى أن له سبحانه عرشاً أو لا ، فالكناية وإن لم تناف إرادة الحقيقة لكن لا تقتضي وجوب إرادتها فقد وقد ؛ وعن ابن زيد أنه قال : أي عظيم الصفات وكأنه بيان لحاصل المعنى الكنائي ، وقيل : هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءها تعالى يوم القيامة ، وروى ذلك عن ابن عباس وابن سلام ، وهذا أنسب بقوله تعالى : { فادعوا الله مُخْلِصِينَ } [ غافر : 14 ] المعنى الأول أنسب بقوله تعالى : { يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ } لتضمنه ذكر الملائكة عليهم السلام وهم المنزلون بالروح كما قال سبحانه : { يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ } [ النحل : 2 ] وأياً ما كان فرفيع الدرجات و { ذُو العرش } وجملة { يُلْقِى } أخبار ثلاثة قيل : لهو السابق في قوله تعالى : { هُوَ الذي يُرِيكُمُ } [ الرعد : 13 ] الخ واستبعده أبو حيان بطول الفصل ، وقيل : لهو محذوفاً ، والجملة كالتعليل لتخصيص العبادة وإخلاص الدين له تعالى ، وهي متضمنة بيان إنزال الرزق الروحاني بعد بيان إنزال الرزق الجسماني في { يُنَزّلٍ لَكُم مّنَ السماء رِزْقاً } [ غافر : 13 ] فإن المراد بالروح على ما روى عن قتادة الوحي وعلى ما روى عن ابن عباس القرآن وذلك جار من القلوب مجرى الروح من الأجساد ، وفسره الضحاك بجبريل عليه السلام وهو عليه والسلام حياة القلوب باعتبار ما ينزل به من العلم .
وجوز ابن عطية أن يراد به كمل ما ينعم الله تعالى به على عباده المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة وهو كما ترى ، وقوله تعالى : { مِنْ أَمْرِهِ } قيل : بيان للروح ، وفسر بما يتناول الأمر والنهي ، وأوثر على لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء .
وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت { مِنْ } ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالاً من { الروح } أي ناشئاً من أمره أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره ، وفسره بعضهم بالملك وجعل { مِنْ } ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالاً أو صفة على ما ذكر آنفاً ، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه ، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال : { مِنْ } سببية متعلقة بيلقى والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره { على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } وهو الذي اصطفاه سبحانه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم ، والاستمرار التجددي المفهوم من { يُلْقِى } ظاهر فإن الإلقاء لم يزل من لدن آدم عليه السلام إلى انتهاء زمان نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو في حكم المتصل إلى قيام الساعة بإقامة من يقوم بالدعوة على ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :«إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » أي بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما ، وأمر ذلك التجدد على ما جوزه ابن عطية لا يحتاج إلى ما ذكر . وقرئ { رَفِيعُ } بالنصب على المدح { لّيُنذِرَ } علة للالقاء ، وضميره المستتر لله تعالى أو لمن وهو الملقى إليه أو للروح أو للأمر ، وعوده على الملقى إليه وهو الرسول أقرب لفظاً ومعنى لقرب المرجع وقوة الإسناد فإنه الذي ينذر الناس حقيقة بلا واسطة ، واستظهر أبو حيان رجوعه إليه تعالى لأنه سبحانه المحذف عنه ، وقوله تعالى : { يَوْمَ التلاق } مفعول لينذر أو ظرف والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب أو نحو يوم التلاق
ومن باب الإشارة : { يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } قيل : في إطلاق الروح إشارة إلى روح النبوة وهو يلقى على الأنبياء ، وروح الولاية ويلقى على العارفين ، وروح الدراية ويلقى على المؤمنين الناسكين { لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق } [ غافر : 15 ] قيل التلاقي مع الله تعالى ولا وجود لغيره تعالى وهو مقام الفناء المشار إليه بقوله سبحانه : { يَوْمَ هُم بارزون } من قبور وجودهم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.