الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

وقوله تعالى : { رَفِيعُ الدرجات } ويحتملُ أنْ يريدَ بالدرجاتِ التي يُعْطِيها للمؤمنينَ ، ويتفضَّلُ بها على عبادِهِ المُخْلِصِينَ في جَنَّتِهِ ، و{ العرش } هو الجِسْمُ المخلوقُ الأعْظَمُ الذي السماوات السَّبْعُ والكرسيُّ والأَرَضُونَ فيه كالدنانيرِ في الفَلاَةِ من الأَرْضِ .

وقوله تعالى : { يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } قال الضَّحَّاك : الرُّوحُ هنا هُو : الوَحْيُ القُرْآنُ وغيره مما لَمْ يُتْلَ وقال قَتَادَةُ والسُّدِّيُّ : الرُّوحُ : النُّبُوَّة ومكانتُها ؛ كما قال تعالى : { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وسمى هذا رُوحَاً ؛ لأنه تَحْيَا به الأمَم والأزمانُ كما يَحْيَا الجَسَدُ برُوحِهِ ، ويحتملُ أَن يكونَ إلقاءُ الرُّوحِ عامًّا لِكُلِّ ما يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ على عبادِهِ المهتَدِينَ في تفهيمه الإيمانَ والمعقولاتِ الشريفةَ ، والمُنْذِرُ بيومِ التَّلاقِ على هذا التأويلِ هو اللَّهُ تعالى ، قال الزَّجَّاج : الرُّوحُ كُلُّ ما فيهِ حَيَاةُ النَّاسِ ، وكُلُّ مُهْتَدٍ حَيٌّ ، وكلُّ ضَالٍّ كالمَيتِ .

وقوله : { مِنْ أَمْرِهِ } إنْ جعلته جِنْساً للأمورِ فمِنْ للتَّبعيضِ أو لابتداءِ الغَايَةِ ، وإنْ جَعَلْتَ الأمْرَ مِنْ معنى الكلامِ فمِنْ إما لابتداءِ الغايةِ ، وإمَّا بمعنى الباءِ ، ولا تكونُ للتبعيضِ بَتَّةً ، وقرأ الجمهور : ( لتنذر ) بالتاء على مخاطبةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وجماعةٌ : ( لينذر ) بالياء ، و{ يَوْمَ التلاق } معناه : تلاقِي جميعِ العالمِ بعضِهم بعضاً ، وذلك أمرٌ لَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ .