قوله تعالى : { وما كنت بجانب الطور } بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، { إذ نادينا } قيل : إذ نادينا موسى : خذ الكتاب بقوة . وقال وهب : قال موسى : يا رب أرني محمداً ، قال : إنك لن تصل إلى ذلك ، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك أصواتهم ، قال : بلى يا رب ، قال الله تعالى : يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم . وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير : نادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ورفعه بعضهم قال الله : يا أمة محمد ، فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، قال الله تعالى : يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي ، قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني ، وقد غفرت لكم من قبل أن تستغفروني من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنة ، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر . قوله تعالى : { ولكن رحمةً من ربك } أي : ولكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك ، { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } يعني : أهل مكة . { لعلهم يتذكرون* }
كذلك صور القرآن موقف المناداة والمناجاة من جانب الطور بدقة وعمق : ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا )وما سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] النداء ، وما سجل في وقتها تفصيلاته . ولكنها رحمة الله بقومه هؤلاء ، أن قص عليه تلك الأنباء الدالة على صدقه [ صلى الله عليه وسلم ] فيما يدعوهم إليه ، لينذر هؤلاء القوم الذين لم يأتهم نذير من قبله - فقد كانت الرسالات في بني إسرائيل من حولهم ، ولم يرسل إليهم رسول منذ أمد طويل ، منذ أبيهم إسماعيل : ( لعلهم يتذكرون ) .
فهي رحمة الله بالقوم . وهي حجته كذلك عليهم ، كي لا يعتذروا بأنهم أخذوا على غرة ، وأنهم لم ينذروا قبل أخذهم بالعذاب - وما هم فيه من جاهلية وشرك ومعصية يستوجب العذاب - فأراد الله أن يقطع حجتهم ، وأن يعذر إليهم ، وأن يقفهم أمام أنفسهم مجردين من كل عائق يعوقهم عن الإيمان :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلََكِن رّحْمَةً مّن رّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أَتَاهُم مّن نّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما كنت يا محمد بجانب الجبل إذ نادينا موسى بأن سأَكْتُبُها لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ ، وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ . الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ . . . الاَية ، كما :
حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن عليّ بن مدرك ، عن أبي زُرعة ، في قول الله : وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال : نادى يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وأجبتكم قبل أن تدعوني .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال : نُودوا : يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تَدْعُوني .
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا حرملة بن قيس النخعيّ ، قال : سمعت هذا الحديث من أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطّورِ إذْ نادَيْنا قال : نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا معتمر عن سليمان ، وسفيان عن سليمان ، وحجاج ، عن حمزة الزيات ، عن الأعمش ، عن عليّ بن مدرك ، عن أبي زرعة بن عمرو ، عن أبي هريرة ، في قوله : وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال : نُودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني ، قال : وهو قوله حين قال موسى وَاكْتُبْ لَنا فِي هَذِهِ الدّنيْا حَسَنَةً ، وفِي الاَخِرَةٍ . . . الاَية .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج مثل ذلك .
وقوله : وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ يقول تعالى ذكره : لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد فتعلمه ، ولكنا عرفناكه ، وأنزلنا إليك ، فاقتصصنا ذلك كله عليك في كتابنا ، وابتعثناك بما أنزلنا إليك من ذلك رسولاً إلى من ابتعثناك إليه من الخلق رحمة منا لك ولهم ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ ما قصصنا عليك لِتُنْذِرَ قَوْما . . . الاَية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال : كان رحمة من ربك النبوّة .
وقوله : لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ يقول تعالى ذكره : ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوما لم يأتهم من قبلك نذير ، وهم العرب الذين بُعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله إليهم رحمة لينذرهم بأسه على عبادتهم الأصنام ، وإشراكهم به الأوثان والأنداد .
وقوله : لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول : ليتذكروا خَطأ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بربهم ، فينيبوا إلى الإقرار لله بالوحدانية ، وإفراده بالعبادة دون كلّ ما سواه من الآلهة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال : الذي أنزلنا عليك من القرآن لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.