بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

قوله عز وجل : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور } يعني : بناحية الجبل الذي كلّم الله به موسى . يعني : عن يمين موسى ، ولولا ذلك { إِذْ نَادَيْنَا } يعني : كلمنا موسى . ويقال : إذ نادينا أمتك ، وذلك أن الله تعالى لما وصف نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأحب موسى أن يراهم قال الله تعالى لموسى : إنك لن تراهم وإن أحببت أسمعتك كلامهم ، فأسمعه الله تعالى كلامهم ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه معنى قوله : { إِذْ نَادَيْنَا } يعني : نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني .

وروى أن عمر عن ابن مدرك عن أبي زرعة قال : نرفع الحديث في قوله : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا } . قال : نودي يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني . وعن عمرو بن شعيب قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا } ما كانَ النِّدَاءُ ، وَمَا كَانَتِ الرَّحْمَةُ ؟ قَالَ : « كِتَابٌ كَتَبَهُ الله تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ بألْفَيْ عَامٍ ، وَسِتِّمائَةِ عَامٍ عَلَى وَرَقَةِ آس ، ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ ، ثُمَّ نَادَى ياأمَّةَ مُحَمَّدٍ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي ، أعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي ، وَغَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أنْ تَسْتَغْفِرُونِي ، فَمَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ ، يَشْهَدُ أنْ لاَ إله إلاَّ الله ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ أَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ » . ثم قال : { ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ } يعني : القرآن نعمة من ربك حيث اختصصت به نصب رحمة ، لأن معناه فعلنا ذلك للرحمة ، كقوله : فعلت ذلك ابتغاء الخير ، يعني : لابتغاء الخير ثم قال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم } يعني : لم يأتهم { مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } يعني : لم يأتهم رسول من قبلك ، وهم أهل مكة { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يعني : لكي يتعظوا .