فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

{ وما كنت } يا محمد { بجانب الطور } أي : بجانب الحبل المسمى بالطور { إذ نادينا } موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين أن أخذ الكتاب بقوة وبين الإرسال وإيتاء التوراة نحو ثلاثين سنة ، قيل : المنادي هو أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال وهب : وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ؛ قال : يا رب أرنيهم ، فقال الله : إنك لن تدركهم ، وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم ، قال : بلى يا رب أرنيهم فقال يا أمة محمد ، فأجابوا من أصلاب آبائهم ؛ فيكون معنى الآية على هذا : ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى فنادينا أمتك ، وسيأتي ما يدل على هذا ويقويه ويرجحه .

وعن أبي هريرة في الآية قال : نودوا : يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني ، وروي من وجه آخر عنه مرفوعا .

وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، وأبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن عمرو بن عبسة قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ، ما كان النداء ؟ وما كانت الرحمة ؟ قال : كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام ، ثم وضعه على عرشه ، ثم نادى : يا أمة محمد سبقت رحمتي على غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي صادقا أدخلته الجنة .

وأخرج ابن مردويه ، وأبو النعيم عن حذيفة في الآية قال : نودوا يا أمة محمد ؛ ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم ، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا : " إن الله نادى يا محمد أجيبوا ربكم ، قال : فأجابوا ، وهم في أصلاب آبائهم ، وأرحام أمهاتهم ؛ إلى يوم القيام . فقالوا : لبيك أنت ربنا حقا ، ونحن عبيدك حقا ، قال : صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقا ، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة "

{ ولكن رحمة من ربك } أي : ولكن فعلنا ذلك رحمة منا لكم ، وقيل : ولكن أرسلنا بالقرآن رحمة لكم ، وقيل : علمناك وقيل : عرفناك قال الأخفش : ولكن رحمناك رحمة ، وقال الزجاج : أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة . وقال الكسائي : ولن كان ذلك رحمة ، وقرئ رحمة بالرفع أي ولكن أنت رحمة .

{ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك } والقوم هم أهل مكة ، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه وسلم في زمان الفترة ، بينه وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة أو بينه وبين إسماعيل بناء على دعوة موسى وعيسى كانت مختصة ببني إسرائيل { لعلهم يتذكرون } إلي : يتعظون بإنذارك .