تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

44

المفردات :

الطور : الجبل

لتنذر : لتخوف وتحذر .

التفسير :

46-{ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون } .

لقد أخبرت عن الأنبياء والرسل ، والأمم والقيامة والبعث ، وما كان لك من علم بذلك إلا عن طريق الوحي ، فأنت لم تشاهد موسى عند تلقيه الرسالة ، ولم تكن بجانب الطور حين ناداه ربّه وأوحى إليه ، فالآية اختيار للحظة معينة اتصلت فيها السماء بالأرض ، وتفضل فيها الرب الكريم على موسى .

قال تعالى : { فلما أتاها نودي يا موسى* إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى*وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى*إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } [ طه : 11-14 ] .

ونلمح هنا أن الآية 44 تكلمت عن رسالة موسى بصفة عامة ، أما الآية 46 فقد اختارت لحظة التفضل على موسى بالنداء والمناجاة ، فهذه أخص والسابقة أعم .

وقال قتادة : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا . موسى ، وهذا أشبه بقوله : { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر . . } ثم أخبر ههنا بصيغة أخرى أخص من ذلك وهو النداء ، كما قال تعالى : { وإذ نادى ربك موسى . . } الشعراء : 10 ] وقال تعالى : { إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى } [ النازعات : 16 ] .

وقال تعالى : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } [ مريم : 52 ]

{ ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون }

أي : إنك لم تكن بجانب الطور حين نادينا موسى ، ولكن أعطاك الله الرسالة ؛ رحمة وفضلا وكرامة ، وفيها هذه الأخبار ، وفيها أيضا التشريع والهداية ، لتنذر بها قومك الذين لم يرسل إليهم رسول منذ عهد إسماعيل عليه السلام ، وهي مدة تزيد على ألفي عام ، فقد طال العهد عليهم ، وبعد الأمد بالرسل ، فكان من رحمة الله وفضله أن أرسلك على حين فترة من الرسل ؛ لترشد الناس إلى الإيمان ، وتذكرهم بالوحي ، وترشدهم إلى الخالق الواحد سبحانه وتعالى .