فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا } أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل المسمى بالطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين . وقيل : المنادى هو أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال وهب : وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد وأمته قال : يا رب أرنيهم ، فقال الله : إنك لن تدركهم ، وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم ، قال : بلى يا ربّ ، فقال الله : يا أمة محمد ، فأجابوا من أصلاب آبائهم ، فيكون معنى الآية على هذا : ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى ، فنادينا أمتك ، وسيأتي ما يدلّ على هذا ويقوّيه ويرجحه في آخر البحث إن شاء الله { ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ } أي ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم ، وقيل : ولكن أرسلنا بالقرآن رحمة لكم ، وقيل : علمناك . وقيل : عرفناك . قال الأخفش : هو منصوب يعني : رحمة ، على المصدر ، أي ولكن رحمناك رحمة . وقال الزجاج : هو مفعول من أجله ، أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة . قال النحاس : أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ، ولكن بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة . وقال الكسائي : هو خبر لكان مقدّرة ، أي ولكن كان ذلك رحمة ، وقرأ عيسى بن عمر ، وأبو حيوة : { رحمة } بالرفع على تقدير : ولكن أنت رحمة . وقال الكسائي : الرفع على أنها اسم كان المقدّرة ، وهو بعيد إلاّ على تقدير أنها تامة ، واللام في { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } متعلق بالفعل المقدّر على الاختلاف في تقديره . والقوم : هم أهل مكة ، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه وسلم ، وجملة { ما أتاهم } إلخ ، صفة ل{ قوماً } ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي يتعظون بإنذارك .

/خ57