معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

قوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل } ، أي ألن جانبك لهما واخضع . قال عروة بن الزبير لن لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه { من الرحمة } ، من الشفقة ، { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } ، أراد : إذا كانا مسلمين . قال ابن عباس : هذا منسوخ بقوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } { التوبة – 13 } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن يزيد عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن - يعني السلمي - عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيع " .

أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد ، أنبأنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين الماليني ، أنبأنا الحسن بن سفيان ، حدثنا يحيى بن حبيب بن عدي ، حدثنا خالد بن الحارس ، عن سعيد ، عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رضا الله في رضا الوالد ، وسخط الله في سخط الوالد " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمام الضبي ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق ، ولا مدمن خمر " .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن بامويه الأصفهاني ، أنبأنا أبو سعيد أحمد بن زياد البصري ، أنبأنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا ربعي بن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } أي : تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما ، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد .

{ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا } أي : ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا ، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا .

وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق ، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

{ واخفض لهما جناح الذّل } تذلل لهما وتواضع فيهما ، وجعل للذل جناحا كما جعل لبيد في قوله :

وغداة ريحٍ قد كشفت وقرة *** إذ أصبحت بيد الشمال زمامُها

للشمال يداً أو للقرة زماماً ، وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى : { واخفض جناحك للمؤمنين } . وإضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل . وقرئ " الذل " بالكسر وهو الانقياد والنعت منه ذلول . { من الرحمة } من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما بالأمس . { وقل ربّ ارحمهما } وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية ، ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة أن يديهما : { كما ربّياني صغيرا } رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين . روي : أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبوي بلغا من الكبر أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما . قال : لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

قد انتُقل إليه انتقالاً بديعاً من قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة الله ، وتنبيهاً على أن التخلق بمحبة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إياهما به فيما يعلمانه وفيما يخفى عنهما حتى فيما يصل إليهما بعد مماتهما . وفي الحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير "

وفي الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب لأن الله أذن فيه . والحديث المذكور مؤيد ذلك إذ جعل دعاء الولد عملاً لأبويه .

وحكم هذا الدعاء خاص بالأبوين المؤمنين بأدلة أخرى دلت على التخصيص كقوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] الآية .

والكاف في قوله : { كما ربياني صغيراً } للتشبيه المجازي يعبر عنه النحاة بمعنى التعليل في الكاف ، ومثاله قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] ، أي ارحمهما رحمة تكافىء ما ربياني صغيرا .

و{ صغيراً } حال من ياء المتكلم .

والمقصود منه تمثيل حالة خاصة فيها الإشارة إلى تربية مكيفة برحمة كاملة فإن الأبوة تقتضي رحمة الولد ، وصغرالولد يقتضي الرحمة به ولو لم يكن ولداً فصار قوله : { كما ربياني صغيراً } قائماً مقام قوله كما ربياني ورحماني بتربيتهما . فالتربية تكملة للوجود ، وهي وحدها تقتضي الشكر عليها . والرحمة حفظ للوجود من اجتناب انتهاكه وهو مقتضى الشكر ، فجمع الشكر على ذلك كله بالدعاء لهما بالرحمة .

والأمر يقتضي الوجوب . وأما مواقع الدعاء لهما فلا تنضبط وهو بحسب حال كل امرىء في أوقات ابتهاله . وعن سفيان بن عيينة إذا دعا لهما في كل تشهد فقد امتثل .

ومقصد الإسلام من الأمر ببر الوالدين وبصلة الرحم ينحل إلى مقصدين :

أحدهما : نفساني وهو تربية نفوس الأمة على الاعتراف بالجميل لصانعه ، وهو الشكر ، تخلقاً بأخلاق الباري تعالى في اسمه الشكور ، فكما أمر بشكر الله على نعمة الخلق والرزق أمر بشكر الوالدين على نعمة الإيجاد الصوري ونعمة التربية والرحمة .

وفي الأمر بشكر الفضائل تنويه بها وتنبيه على المنافسة في إسدائها .

والمقصد الثاني عمراني ، وهو أن تكون أواصر العائلة قوية العُرى مشدودة الوثوق فأمر بما يحقق ذلك الوثوق بين أفراد العائلة ، وهو حسن المعاشرة ليربي في نفوسهم من التحاب والتواد ما يقوم مقام عاطفة الأمومة الغريزية في الأم ، ثم عاطفة الأبوة المنبعثة عن إحساسسٍ بعضه غريزي ضعيف وبعضه عقلي قوي حتى أن أثر ذلك الإحساس ليساوي بمجموعه أثر عاطفة الأم الغريزية أو يفوقها في حالة كبر الابن . ثم وزع الإسلام ما دعا إليه من ذلك بين بقية مراتب القرابة على حسب الدنو في القرب النسبي بما شرعه من صلة الرحم ، وقد عزز الله قابلية الانسياق إلى تلك الشرعة في النفوس .

جاء في الحديث : « أن الله لما خلق الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وقالت : هذا مقام العائذ بكَ من القطيعة . فقال الله : أما تَرْضَيْنَ أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك » وفي الحديث : « إن الله جعل الرحم من اسمه الرحيم » .

وفي هذا التكوين لأواصر القرابة صلاح عظيم للأمة تظهر آثاره في مواساة بعضهم بعضاً ، وفي اتحاد بعضهم مع بعض ، قال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } [ الحجرات : 13 ] .

وزاده الإسلام توثيقاً بما في تضاعيف الشريعة من تأكيد شد أواصر القرابة أكثر مما حاوله كل دين سلف . وقد بينا ذلك في بابه من « كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية » .