نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

{ واخفض لهما } ولما كان الطائر يخفض جناحه عند الذل ، استعار لتعطفه عليهما رعياً لحقوقهما قوله تعالى : { جناح الذل } أي جناح ذلّك ، وبين المراد بقوله تعالى : { من الرحمة } أي لا من أجل امتثال الأمر وخوف العار فقط ، بل من أجل الرحمة لهما ، بأن لا تزال تذكر نفسك بالأوامر والنواهي وما تقدم لهما من من أجل الرحمة لهما ، بأن لا تزال تذكر نفسك بالأوامر والنواهي وما تقدم لهما من الإحسان إليك ، فصارا مفتقرين إليك وقد كنت أفقر خلق الله إليهما ، حتى يصير ذلك خلقاً لازماً لك فإن النفس لأمارة بالسوء ، وإن لم تقد إلى الخير بأنواع الإرغاب والإرهاب والإمعان في النظر في حقائق الأمور وعجائب المقدور ، ولذلك أتبعه قوله تعالى آمراً بأن لا يكتفي برحمته التي لا بقاء لها ، فإن ذلك لا يكافىء حقهما بل يطلب لهما الرحمة الباقية : { وقل رب } أي أيها المحسن إليّ بعطفهما عليّ حتى ربياني وكانا يقدماني على أنفسهما { ارحمهما } بكرمك برحمتك الباقية وجودك كما رحمتهما أنا برحمتي القاصرة مع بخلي وما فيّ من طبع اللوم { كما ربياني } برحمتهما لي { صغيراً * } وهذا مخصوص بالمسلمين بآية { ما كان للنبي } لا منسوخ ، ولقد أبلغ سبحانه في الإيصاء بهما حيث بدأه بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ونظمه في سلكه ، وختمه بالتضرع في نجاتهما ، جزاء على فعلهما وشكراً لهما ، وضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى شيء من امتهانهما ، مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يدخل الصبر إليها في حد الاستطاعة إلا بتدريب كبير .