الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

ثم قال : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } [ 24 ] .

أي : كن لهما ذليلا ، رحمة منك لهما/وتعظيما{[40744]} فيما أمر [ ا ]ك{[40745]} به مما ليس معصية{[40746]} [ لله عز وجل ]{[40747]} . هذا قول عروة بن{[40748]} الزبير{[40749]} . وعنه أيضا أن معناه : لا تمتنع من شيء أحباه{[40750]} .

والذل والذلة : مصدر الذليل{[40751]} . والذل : بكسر الذال من غيرهما ، مصدر الذلول{[40752]} . نقول دابة ذلول بينة الذل إذا كانت لينة{[40753]} . ومنه قوله : { الذي جعل لكم الأرض ذلولا }{[40754]} .

وقرأ ابن جبير والجحدري " الذل " بكسر الذال{[40755]} ، بمعنى : ألن لهما جناحك واسمح لهما . يقال رجل ذلول بين الذل إذا كان سمحا لينا مواتيا{[40756]} . ومنه { وذللت قطوفها تذليلا }{[40757]} .

ثم قال تعالى : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } [ 24 ] .

أي : وقل : يا رب اعطف عليهما برحمتك كما عطفا علي في صغر [ ي ]{[40758]} فرحماني وربياني صغيرا{[40759]} .

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم وهو رافع صوته : " من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه " {[40760]} . وكانوا يرون أن من بر والديه ، وكان فيه أدنى فيه أدنى تقى ، فإن ذلك مبلغه جسيم بالخير .

و[ قد ]{[40761]} قال بعض العلماء أن قوله : { رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } منسوخ بالنهي عن الاستغفار للمشركين{[40762]} .

و{[40763]} قال بعضهم : الآية مخصوصة في المؤمنين خاصة{[40764]} .

وقيل : هي عامة إلا لمن مات من المشركين ، فلا يستغفر له . فأما إذا كانا مشركين حيين ، فيجوز للمسلم أن يستغفر لهما كما فعل إبراهيم [ صلى الله عليه وسلم ] خليل الرحمن [ عز وجل

{[40765]} ]{[40766]} .

ويروى أن رجلا قال : يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما [ به ]{[40767]} بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الصلاة عليهما [ يعني ]{[40768]} الدعاء لهما{[40769]} ، والاستغفار{[40770]} لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاد عهدهما ، وصلة الرحم التي لا يوصل{[40771]} إلا بهما{[40772]} .

تم الجزء [ الموفي الحادي والثلاثين ]{[40773]}


[40744]:ط: وتطيعهما".
[40745]:ساقط من ق.
[40746]:ط: "بمعصية" ولعله الأصوب.
[40747]:ساقط من ق.
[40748]:ق: "وابن".
[40749]:هذا قول ابن جرير وليس عروة، انظر: جامع البيان 15/66.
[40750]:انظر: قوله في جامع البيان 15/66 وأحكام الجصاص 3/197.
[40751]:"والذليل" بزيادة الواو. والقول للفراء، انظر: معاني الفراء 2/122، وجامع البيان 15/66.
[40752]:هو قول الفراء أيضا، انظر: معاني الفراء 2/122.
[40753]:انظر: اللسان (ذلل) ونسبه للكسائي.
[40754]:الملك: 5.
[40755]:وهي قراءة ابن عباس وحماد والأسدي عن أبي بكر الصديق ونسب لعاصم أيضا انظر: معاني الفراء 2/122، وجامع البيان 15/67 وشواذ القرآن 79 والجامع 10/159 والدر 5/ 260.
[40756]:انظر: اللسان (ذلل).
[40757]:الإنسان: 17.
[40758]:ساقط من ط.
[40759]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/67.
[40760]:أخرجه أحمد في المسند 5/529 عن أبي بن مالك. وأخرج مسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة، رقم 9 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" وأخرجه أيضا أحمد في المسند 2/346.
[40761]:ساقط من ط.
[40762]:أي: بقوله تعالى {ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} التوبة آية 114، وهو قول ابن عباس وقتادة وعكرمة والحسن ومقاتل، الناسخ والمنسوخ لابن حزم 44، والناسخ والمنسوخ لابن سلامة 211، والإيضاح 337، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/284، والمصفى 43، ونواسخ القرآن 190 والجامع 10/160، وناسخ القرآن 39.
[40763]:ق: "ثم".
[40764]:وهو قول ابن جرير انظر: جامع البيان 15/68، والإيضاح 338، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/284، والمصفى 43 ونواسخ القرآن 191، والجامع 10/160.
[40765]:ساقط من ط.
[40766]:يشير بذلك إلى قوله تعالى: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} التوبة 114، وانظر: الإيضاح 337 والجامع 10/160.
[40767]:ساقط من ق.
[40768]:ساقط من ق.
[40769]:ق: عليهما.
[40770]:ق: "يعني والاستغفار ... ".
[40771]:ق: لا يوصل.
[40772]:الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن، كتاب الأدب، رقم 3664 عن أبي أسيد مالك بن ربيعة.
[40773]:ساقط من ط.